أخبار عاجلة
رياضة : الزمالك يبحث عن عرض لرحيل حسام أشرف -
أخبار العالم : زيدان يعلق على بيان فتوح -

أخبار قطر : انتخابات الرئاسة الأمريكية: هزلٌ في مقام الجدّ!

أخبار قطر : انتخابات الرئاسة الأمريكية: هزلٌ في مقام الجدّ!
أخبار قطر : انتخابات الرئاسة الأمريكية: هزلٌ في مقام الجدّ!

الأحد 15 سبتمبر 2024 08:00 صباحاً

نافذة على العالم - عربي ودولي

98

15 سبتمبر 2024 , 07:00ص
alsharq

❖ واشنطن- د. وائل مرزا

«مسكينةٌ المكسيك، قريبةٌ جداً من أمريكا، بعيدةٌ جداً عن الله»، أطلق العبارة هوسيه دي لاكروز موري، وهو سياسيٌ مكسيكي بارز، انتُخب رئيسا لبلاده سبع مرات بين نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. بخبرةٍ مريرة اكتسبها في موقع المسؤولية الطويل ذاك، لخص الرجل رؤيته لمدى تأثير علاقة الولايات المتحدة مع الدولة اللاتينية، التي تُشكل مع الولايات المتحدة وكندا الجزء الشمالي من قارة أمريكية، يُفترض منطقاً أن تنسجم مصالح دولها بتناغمٍ ووِفاق.

تعرَّضت المكسيك، كما يُعرف تاريخياً، بحكم هذا الجوار الجغرافي ولا تزال، لضغوط ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية هائلة، أضعفت قدرتها، ليس فقط على الاحتفاظ بهويتها الذاتية، بل على تشكيل هوية عصرية تحفظ التوازن بين ما هو ذاتي محلّي حميم، وما هو خارجي ينبع من التفاعل مع العالم ومع الآخر.

أدخل هذا المكسيك في دوامة أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية لم تستطع الخروج منها حتى اليوم، بشكلٍ يتطلّب كثيراً من التحليل. أقلُّهُ، لأن حجم تلك الأزمات وطبيعتها يُعتبر غريباً قياسا لثراء التجارب التاريخية التي مرت بهذا البلد، وغِناه البالغ بالموارد البشرية والطبيعية.

لماذا نتحدث عن المكسيك؟

لأن القصة أعلاه تبدو مناسِبةً للحديثٍ عن أمريكا اليوم، وعلاقاتها بالعالم بأسره، بعد أن سقطت المسافات الجغرافية، وأصبحت أمريكا تدخل في نسق الدول القريبة والبعيدة، ومنها الدول العربية، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، حاملةً معها تحدياتٍ لا تقل عن تلك التي شهدتها المكسيك في الماضي.

   - اكذب اكذب حتى يصدقك الناس

هذه مقولةٌ معروفةٌ لوزير الدعاية النازي السابق جوزيف غوبلز يهجوها السياسيون، خاصةً في الغرب، وبالأخص في أمريكا، بدعوى أنها تتناقض مع مقتضيات الديمقراطية الحقيقية. لكن ثمة مفارقة في الموضوع يُعبّرُ عنها المثل العربي: «لسانُ الحالِ أبلغُ من لسان المقال». ذلك أن غالبية الساسة أولئك لا يتوانون عن اللجوء إلى الكذب كلما اضطرهم الموقف.

لكن الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب نقل الموضوع إلى سقفٍ غير مسبوق في تصريحاته بشكلٍ عام. وأخيراً في مناظرته التلفزيونية مع المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، فقد نقلت وسائل إعلام، منها مثلاً موقع ديلي بيست، أن الرجل كذب على الأقل 30 مرة خلال المناظرة التي استمرت ساعةً ونصف الساعة. المفارقة أن ترامب بدا في هذه المناظرة منضبطاً لخوفه من هاريس الأكثر حضوراً من بايدن. ذلك أن مدير الاتصالات السابق بالبيت الأبيض، الجمهوري أنتوني سكاراموتشي، قال إن رئيسه السابق كذب «كل 100 ثانية» في مناظرته مع بايدن!.

وفيما يلي أمثلةٌ أربعة فقط على ما يقوله هذا الرجل الذي يؤيده أكثر من 35 مليون أمريكي مهما فعل أو قال: «المهاجرون إلى أمريكا يأكلون حيوانات مواطنينا الأليفة». «الديمقراطيون يؤيدون إعدام الأطفال حديثي الولادة». «كلَّمتُ رئيس طالبان، واسمه عبدول، وطلبت منه أن يقف عند حده». «انخفضت معدلات الجريمة على مستوى العالم، باستثناء الولايات المتحدة، حيث تجاوزت المعدلات السقف، لأن العالم يُهجِّرُ مجرميه إلى بلادنا».

والأسوأ يتمثل في تدني لغة الخطاب.. ففي مناظرةٍ رئاسية تهدف لتمكين الشعب الأمريكي من اختيار رئيسٍ لأكبر دولةٍ في العالم، يقول المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، مُتحدثاِ عن جو بايدن، الرجل الذي لا يزال الرئيس الحالي: «ولدينا رئيس… لا نعرف حتى ما إذا كان رئيساً. لقد طردوه من حملته »! في إشارةٍ إلى الضغوط التي تعرض لها بايدن لمغادرة السباق الرئاسي، والتي تحدثنا عنها بالتفصيل في الحلقة الأولى من هذه السلسلة.

20240915_1726364704-83041.jpg?1726364704

   - وصول هاريس للترشيح تعبيراً عن سياسات الهوية

نقلت وكالة أسوشيتدبرس في تحليلٍ لها عن المناظرة مع ترامب أنه: «بالنسبة للعديد من الديمقراطيين، كانت كامالا هاريس هي كل ما لم يكن جو بايدن يمثله في مواجهة دونالد ترامب على منصة المناظرة: قوية، سريعة الحركة، لا هوادة فيها في ملاحقة خصمها. وفي تحول من انهيار مناظرة بايدن في يونيو، وجد الديمقراطيون الذين شاهدوا المناظرة في حفلات جماعية ما يُرضي ظمأهم لرائحة النصر، والذي طال كثيراً قبل التحول من هاريس إلى بايدن.

لكن الملاحظ أن تأييد هاريس مرتفعٌ في أوساط الأقليات بشكلٍ عام، ومعهم التقدميون والشباب من البيض. وهذا مؤشرٌ يستحق الدراسة لأن شعوراً مشتركاً بات يجمع هؤلاء في السنوات الأخيرة يتعلق بمعنى وطبيعة الهوية الأمريكية التي كانت تصبح تدريجياً الجنة الموعودة على الأرض لهم.




فقد وصلت أمريكا مع انتخاب باراك أوباما إلى ذروة تشكيل عقد اجتماعي جديد غير مكتوب، من تقاليده زيادة احترام الأقليات والاعتراف بدورها في البلاد، بل والقيام بمراجعات تاريخية أكاديمية وإعلامية وحقوقية لما واجهته تلك الأقليات في الماضي من مظالم واضطهاد.كما عم في أمريكا بشكل كاسح مصطلح (أي (Politically Correct (صائب سياسيا)، وقد شاع استخدام هذا المصطلح في كل مجال لتأكيد وجود تقاليد وحدود وأعراف تحكم بشكل صارم كيفية تناول الحساسيات الإثنية والعرقية والدينية وتلك التي تتعلق بجنس الإنسان (Gender)، وتحدد أطر التعامل مع تلك الحساسيات في الخطاب السياسي والإعلامي والأكاديمي والفني والأدبي والثقافي العام داخل أمريكا.

تقاطعت عناصر هذا الخطاب / الهوية بين أفراد شرائح متنوعة ناشئة المجتمع الأمريكي، إما عمرياً، أو من المهاجرين. وبدأ هؤلاء يفرضون وجودهم في مختلف مجالات الحياة. بدأ الأمر في حقول الرياضة والفنون والحراك الاجتماعي، ثم امتد تدريجياً إلى المجال الإعلامي والاقتصادي، وبلغ ذروته في المجال السياسي، حيث كان معبراً عن هذه الحالة تضاعف أعداد أعضاء مجلس النواب من النساء والأقليات بتنوع خلفياتهم الثقافية والعرقية. وكان معبراً بالنسبة للعرب والمسلمين، مثلاً، وصول الفلسطينية الأصل رشيدة طليب، والصومالية الأصل إلهان عمر إلى الكونغرس الأمريكي.والجدير بالذكر أن إلهان وُلدت في الصومال وهاجرت بسبب الحرب فوجدَت نفسها لاجئةً في أمريكا بعد سنوات. وبمزيجٍ من الجهد والعلم والمثابرة والكاريزما، أصبحت عضواً، عن الحزب الديمقراطي، في أقوى هيئةٍ تشريعية في العالم قبل أن تبلغ العقد الرابع من عمرها. ليس هذا فقط، بل إن نسبة فوزها على منافستها الجمهورية البيضاء كانت كاسحةً جداً بالمقاييس الأمريكية، والعالمية. ففي حين يبلغ معدل الفارق بين المرشحين في انتخابات أمريكا بين 5-10٪، حصلت المرشحة المسلمة الصومالية الأصل، التي ترتدي غطاء الرأس، على 78٪ من أصوات الناخبين مقابل 22٪ فقط لمنافستها، أي بفارق 56٪ من الأصوات!

المفارقة الأخرى أن هذا الفوز حصل في ولاية مينيسوتا الواقعة على حدود كندا في الغرب الأوسط الأمريكي، حيث يغلب السكان البيض بشكلٍ كبير، مقارنةً بالمدن الكبرى التي تتواجد فيها الأقليات. إذ تبلغ نسبة البيض أكثر من 85٪ من عدد سكانها الذي يتجاوز 5 ونصف مليون نسمة، نسبة المسيحيين منهم أكثر من 70٪. وهذا ما يُعطي انتخاب النائبة الجديدة معنىً إضافياً في كونه رداً من ولايةٍ بيضاء مسيحية على كل دعوات العنصرية والتنديد بالأقليات في أمريكا.

20240915_1726364704-54670.jpg?1726364704

    - ترامب ممثلاً لوقفة الرجل الأبيض الأخير في أمريكا

بالمقابل، بات مؤكداً أن وجود كتلةٍ حرجة ضخمة، تبلغ قرابة 35 مليون أمريكي وأمريكية، وتقدم الولاء المطلق لدونالد ترامب، بغض النظر عن كل القضايا الجنائية التي تلاحقه، وكل الفضائح التي تعرض لها، وكل الأكاذيب التي يقولها، يعني بدوره نوعاً من سياسات الهوية، ولكن على الجانب الآخر في المجتمع الأمريكي.

هذه الكتلة بيضاء في غالبيتها العظمي، ويغلب عليها الريفيون وقليلو التعليم ومتدينون محافظون.. ومعهم رموزٌ عنصرية تُعلن عن تحيزاتها أو تُخفيها. ومن هؤلاء مؤثرون ينتمون لحقول المال والأعمال، والإعلام والفكر والثقافة.

كان هؤلاء ينظرون إلى ما يجري على أنه يمثل ضياع بوصلة أمريكا الحقيقية، وكانوا يشعرون بشكل متزايد بأن البلاد فقدت رؤية إستراتيجية مركزية تعيد لها هويتها الأصيلة داخليا، وموقعها المركزي المهيمن في الساحة العالمية.

وكانت المجموعات القيادية في هذه الكتلة تعتبر ما يجري في أمريكا عملية تفكيك للبنى الأساسية للمنظومة الفلسفية التي كانت السبب وراء «عظمة» الولايات المتحدة محليا وفي الساحة الدولية، وكانت تنظر إلى التطورات التي تحدثنا عنها على أنها الدليل الأكيد على دخول البلاد مرحلة هلهلة واهتراء فوضوي عشوائي لا يبدو له ضابط.

لكن غَلَبة الأعراف والتقاليد التقدمية على المجتمع، بسبب سيطرة التقدميين والليبراليين على ساحات الإعلام والتعليم والفن المؤثرة في صناعة الرأي العام لم تكن تترك لها مجالاً للتعبير عن آرائها بصراحةٍ ستبدو، بالتأكيد، وقاحةً، في ظل الأجواء السائدة.

ولكل هؤلاء، ظهر دونالد ترامب في الساحة السياسية في عمليةٍ هي أشبه بظهور نبيٍ أو مُخلِّص. بل إن ثمة كنائس عديدة في أمريكا تعتبر الرجل فعلاً قديساً أو نبياً جديداً.

وفي ظل تصدره للواجهة السياسية على شكل دبابةٍ كاسحة لا علاقة لها بحدود الأعراف والتقاليد والمنطق، وحتى الأخلاق. اختبأت الملايين المذكورة وراءه.

لم يعد هؤلاء يحتاجون إلى التعبير عن كل ما يشعرون به من سخطٍ وغضب واحتقان، فقد بات ترامب يكفيهم مؤنة ذلك دون أو يقولوا كلمةً واحدة. أما هم فقد كانوا يعبرون عن مشاعرهم بتصويتهم له فقط.

هكذا، أصبح ترامب لاعباً رئيساً وصعباً في المنظومة الأمريكية العتيدة.

نعرف دون شك أن في تلك المنظومة الكثير من الإيجابيات. فالنظام السياسي الأمريكي يُعتبر من أكثر الأنظمة السياسية حيويةً وتعقيداً في العالم أجمع. ويستطيع المرء القول إنه يمثل قمةً من قمم التجربة البشرية في هذا المجال. نقول هذا استباقاً لبعض ردود الأفعال التي يمكن أن تضع مقالنا في خانة نقد أمريكا أو شتيمتها بالصور التقليدية السائدة. لكن هذا لا يمنعنا من التأكيد على ضرورة تجاوز جميع صور التبسيط والسطحية والجزئية والاستعجال عند دراسة تلك المنظومة تمهيداً للتعامل مع أهلها. خاصةً حين يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين. وليس دور هذه السلسلة عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية سوى خطوةٍ في هذا الاتجاه.

أخبار ذات صلة

مساحة إعلانية


المصدر : أخبار قطر : انتخابات الرئاسة الأمريكية: هزلٌ في مقام الجدّ!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق أخبار قطر : ارتفاع تصنيف التجاري على مؤشر مورغان ستانلي
التالى أخبار قطر : الكويت تحقق في صرف أكثر من 10 ملايين دينار رواتب لأموات