الأربعاء 30 أكتوبر 2024 06:52 صباحاً
نافذة على العالم - ثقافة وفنون
8
تستكشف العلاقة المُعقدة بين الذات والآخر..د. خالد الجابر
❖ الدوحة - الشرق
- العمل يلامس تحولات شهدها الخليج والعالم العربي على مدى قرن
أصدر د.خالد الجابر روايته الجديدة «سَفَرطاس»، وتمتد أحداثها عبر مسار زمني طويل، يشمل تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية كبرى شهدتها منطقة الخليج والعالم العربي، على مدى قرن من الزمن.
وتطرح الرواية تساؤلاً جَوْهرياً: هل يستطيع الإنسان أن يعيش في عوالم مُتعددة من الشخصيات المتنوعة؟ وهل يمكن أن يصل إلى مرحلة لا يُميِّزُ فيها بين ذاته الأصلية وبين تلك الشخصيات التي يبتكرها أو يتخيَّلها للتغلُّب على صِراعاته الداخلية؟ وتأخذ الرواية القارئ في رحلة لاستكشاف العلاقة المُعقدة بين الذات والآخر، وبين الهُوية الفردية والتراث والحداثة، فهي ليست مجرد سرد لقصة حياة شخصية؛ بل دراسة عميقة لجدلية الهُوية وما ينتج عن الصراعات النفسية والمجتمعية التي تواجه الفرد في العالم الحديث.
ويتناول الجابر كيف أثَّرت التحولات البنيوية في التاريخ والجغرافيا على سُلوك الإنسان، ويُقدم رؤية نقدية لكيفية تداخل الهُوية الفردية والجماعية مع الواقع الاجتماعي والسياسي المحيط. وتبرز الرواية العلاقة المعقدة بين الفرد والمجتمع، وبين الهُوية والتراث، وبين الحداثة والتقاليد. وجاء اختيار كلمة «سَفَرطاس» كعنوان للرواية ليعكس دلالات رمزية عميقة ومتشابكة، ليصبح رمزًا لحياة الإنسان وما تحمله من تجارب متراكمة ومتناقضة، فكلمة «سَفرطاس» تتكون من قسمين: «سفر» الذي يشير إلى الرحلة والترحال، و»طاس» التي يعني الوعاء، لتُصبح الحياة ذاتها رحلة التجارب الإنسانية المستمرة؛ حيث يحمل معه الفرد في كل مرحلة من مراحلها مجموعة من التجارب والمشاعر والهُويَّات والذكريات والمواقف والشخصيات.
وتستعرض الرواية التحولات الكبيرة التي شهدتها منطقة الخليج والعالم العربي، بدءًا من قبل اكتشاف النفط إلى حقبة ما بعد الاستعمار، وصولًا إلى الزمن الراهن، مرورًا بالنزاعات والحروب التي مزَّقت المنطقة.
ويعكس د.خالد الجابر هذه التحولات عبر شخصية جابر، الذي يمثل جِيلًا عاش تلك التغيرات وعانى من تأثيراتها العميقة، ومِن خلال استرجاع جابر لذكرياته وتجارب حياته، ترسم الرواية صورة دقيقة لكيفية تأثير التغيرات الاقتصادية والسياسية على البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع.
ومِن أبرز القضايا التي تتناولها الرواية هي جدلية الذات والآخر، فبطل الرواية هو رجل مُسن يعيش في دار رعاية، ويُعاني من الوحدة والاغتراب، رغم وجوده بين الآخرين، يشعر بالعزلة الداخلية العميقة، نتيجة لتجارب حياته التي عاشها.
وتدور الرواية حول حياة بطل الرواية، الذي عاش طفولته في قرية بسيطة على شاطئ الخليج، يروي ذكرياته، إلى أن أخذت حياته منعطفًا كبيرًا،عندما بدأ العمل في شركة نفط أجنبية، ليشكل له الأملَ في الهروب مِن الفقر، لكنَّه سرعان ما أدرك أنه جزء من نظام استغلالي، يستفيد من ثروات بلاده، دون أن يحقق العدالة الاجتماعية، فرأى الأجانب الذين يعملون في الشركة يعيشون حياة مرفهة في مجتمعات مُغلقة، بينما يعيش العمال العرب في فقر وتهميش.
ويُعَدُّ البناء الفني للرواية، من أبرز العناصر التي تُميزها، حيث نجح د.الجابر في تقديم حبكة محكمة تدمج بين الزمان والمكان بمهارة فائقة، مما يجعل كلَّ عنصر جزءًا لا يتجزأ من نسيج السرد، حيث تتسم الرواية بالقدرة على التنقل السَّلِس بين فترات زمنية مختلفة، بدءًا من الماضي وصولًا إلى الحاضر.
كما استطاع الكاتب أن يجعلَ من التنقُّلِ بين الأزمنة وسيلة فعَّالة لبناء توتر سردي مستمر؛ حيث تكون ذكريات الماضي جزءًا من الحاضر، وتكشف عن التحولات التي طرأت على الشخصيات في الرواية، كما تعتمد الرواية على عناصر التشويق والتوتر، فتنجح في إبقاء القارئ مشدودًا إلى الأحداث ومُهتمًا بتتبع تطورات القصة والشخصيات. ويتميز الجابر بالقدرة على التحكم في وتيرة السرد بما يتناسب مع تطور القصة، مما يسمح بخلق لحظات درامية ذات تأثير عميق، تتداخل فيها المشاعر الشخصية مع الأحداث التاريخية والسياسية، ليصبح النص أكثر ثراءً وتنوعًا.
ويُقدم ختام الرواية تحولًا مدهشًا يُعيد ترتيب كلِّ ما ظن القارئ أنه يَعرفه عن الشخصيات والأحداث.
وأتقن الجابر استخدام عنصر «الالتباس المقصود» كأداة روائية قوية، والذي لا يكشف عن نفسه إلا في اللحظات الأخيرة، ليأخذ القارئ في رحلة جديدة من إعادة التفكير والتفسير للأحداث السابقة.
تلك النهاية المفاجِئة تُعزز الجمالية الفلسفية للرواية؛ حيث يتلاعب الكاتب بمفاهيم الزمن والذاكرة والهوية لخلق تجربة سردية تأملية عميقة، ما يجعل من الرواية تأملًا عميقًا في معنى الوجود، وكيف يمكن للصدمات النفسية أن تدفع الإنسان إلى حدود اللاوعي والهروب من الذات.
مساحة إعلانية
المصدر : أخبار قطر : «سَفَرْطاس» رواية جديدة للدكتور خالد الجابر