السبت 3 أغسطس 2024 08:20 صباحاً
نافذة على العالم - محليات
58
منال سمارة
❖ الدوحة - الشرق
تؤكد منال سمارة، المستشارة النفسية في قسم الصحة النفسية للأطفال والمراهقين في سدرة للطب، عضو مؤسسة قطر، على أن تأثير النزاعات والنزوح على الأسرة يتسم بالتعقيد والتداخل، ويؤثر على تماسك الأسرة ووحدة أفرادها على حد سواء.
وتقول: "أحد التداعيات المباشرة للنزاعات هو انهيار الأدوار التقليدية في الأسرة، مثل دور الأم والأب والطفل، مما يولد فجوات لا بد من ملئها عند اندلاع الحروب، حيث يصبح مقدمو الرعاية في المنزل فجأة المسؤولين الوحيدين عن إعالة كافة أفراد الأسرة، كما يتحول الأطفال الصغار إلى حُماة لأشقائهم الأصغر سنًا، حيث يحرمون من طفولتهم، وتصبح أولويتهم القصوى هي مجرد البقاء على قيد الحياة وإنقاذ أنفسهم وأشقائهم".
الأسرة تتأثر بالصراعات
ويذكر التقرير الذي أصدره معهد الدوحة الدولي للأسرة، عضو مؤسسة قطر، في مؤتمره الدولي الثاني حول أبحاث الأسرة والسياسات في 2016، بعنوان "النزاعات الحربية وتأثيراتها على الأسر العربية"، أن الوظيفة الطبيعية للأسرة تتغير بشكل جذري في مناطق النزاع، حيث يصبح دور كل فرد من الأسرة متمحورًا حول صراع يومي لتلبية ثلاثة احتياجات أساسية: الحصول على الماء، والغذاء، والدواء.
اضطرابات عاطفية
بالإضافة إلى ذلك، توضح سمارة الأثر الذي تخلفه الأدوار المتغيرة داخل الأسرة، قائلةً: "يسبب عدم الاستقرار هذا اضطرابًا عاطفيًا. وتصبح القرارات التي يتخذها الأفراد يوميًا، مهما كانت صغيرة، قضية حياة أو موت. تترك الصدمة النفسية تأثيراتها ليس فقط على الأفراد الذين يعيشون التجربة المباشرة، بل تورث وتنتقل إلى الأجيال اللاحقة".
نموذج للتأثيرات
من جهتها، تتحدث زهرة أمين، وهي مواطنة سودانية بريطانية تعيش في قطر، عن كفاح عائلتها خلال الحرب الجارية في السودان، والتي قررت في بداية الحرب الانتظار والبقاء في منزلهم وعدم الرحيل أو النزوح رغم الظروف الصعبة، وهو القرار الذي كانت له تأثيرات شديدة عليهم.
تقول أمين: "بعد أسبوع، أصبحت الأمور تزداد سوءًا، قررت أمي وأخي الانتقال الى مصر في رحلة بالحافلة استغرقت 12 ساعة. أما والدي فقد فضل البقاء مع أخته وابنتها، وهي من ذوي الإعاقة. لقد تفرقت عائلتي، فمنهم من كان آمنًا ومنهم من لم يكن. كان ذلك الشهر أشبه بكابوس حقيقي".
وفي نهاية المطاف، تم إجلاء حاملي جوازات السفر البريطانية من أسرة زهرة، فيما بقي آخرون من الأبناء فريسة للحرب. وتؤكد أمين أن أولئك الذين تمكنوا من المغادرة محظوظون، قائلةً: "لا يزال الملايين من السودانيين يواجهون مصاعب شديدة بسبب الصراع المستمر، وهم بحاجة ماسة إلى الدعم والإغاثة".
وتتابع: "للرحيل عواقب أيضًا، لقد بتنا اليوم جميعًا منفصلين، فوالدي الذي كان مهندسًا ناجحًا أُجبر فجأة على ترك منزل عائلته وبلده، وأصبح بلا عمل. عمتي تعيش قلقًا مستمرًا على ابنها الذي تركته في السودان بسبب عدم حمله جوازاً أجنبياً، لقد أثر كل ذلك على صحتهم واستقرارهم النفسي".
نموذج ثان للتأثيرات
وفي سياق متصل، غادرت عزة نصار، خريجة جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، غزة في عام 2021 لمتابعة درجة الماجستير، تاركة وراءها عائلتها. وتعيش حاليًا في قطر، بينما تم إجلاء والديها إلى مصر بعد بدء الحرب على غزة في أكتوبر 2024.
تقول عزة: "رغم أن الحرب فرقتنا، إلا أنني أعتبر نفسي محظوظة، لأن أهلي بخير. في فلسطين، لا يمكننا التحدث عن أُسرة متكاملة الأفراد، إذ لم يعد هناك عائلات أصلًا. العائلات في فلسطين تمحى من السجل المدني بالكامل".
لا يزال لدى نصّار عدة أفراد من عائلتها في غزة لا يستطيعون الخروج منها، حيث تعترف: "أتفادى قدر الإمكان التحدث إليهم أو سماع أصواتهم. فالشعور بالذنب الناجم عن كوني أعيش هنا بأمان، بينما هم يواجهون أقصى الظروف، لا يغادرني مطلقًا".
وتتابع: "بينما أتمم مراسم زواجي، يشتد شعوري بالذنب حين يقولون لي أشياء مثل "نتمنى لو كنا إلى جانبك في يوم فرحك، كي نحتفي ونفرح بكِ. لكن، نحن بخير، لا تقلقي علينا، وامضِ في حياتك".
ويشدد تقرير معهد الدوحة الدولي للأسرة، على الحاجة الملحة لإعادة تعزيز البنية التحتية للأسرة وإعادة بنائها، عن طريق تقديم الدعم، وخصوصًا فيما يتعلق بخدمات الصحة النفسية. كما يؤكد التقرير أن أفراد الأسرة لا يمكنهم المساهمة بفعالية في الاقتصاد أو القيام بأدوارهم كآباء إذا كانوا يعانون من تحديات نفسية ناجمة عن النزاع، مثل اضطراب ما بعد الصدمة.
وتعلق سمارة: "نحن نتحدث عن اضطراب ما بعد الصدمة، لكن في فلسطين والسودان حاليًا، لا يمكننا الحديث عن هذا الاضطراب بينما لا تزال العائلات تعاني وتكافح من أجل النجاة. تشير المعلومات المستقاة من تجارب دول أخرى عانت من الحروب، مثل لبنان وسوريا وأفغانستان والعراق، أن الأفراد بعد الحروب، غالبًا ما يعانون من مستويات مرتفعة من التوتر والإجهاد والقلق والاكتئاب، وغيرها من التحديات الصحية النفسية".
أخبار ذات صلة
مساحة إعلانية
المصدر : أخبار قطر : مستشارة نفسية للأطفال بسدرة للطب: الأجيال اللاحقة مهددة بالصدمات النفسية جراء النزاعات