الاثنين 18 مارس 2024 07:13 صباحاً
محليات
48
❖ محمد العقيدي
مع دخول الشهر الفضيل ينطلق المسحر ببعض المناطق في الدولة والاماكن السياحية مثل كتارا والميناء القديم ليحيي هذه المهنة مرة اخرى لتعود إلى الأذهان تلك السنوات التي عاشها الآباء والاجداد حيث بساطة الحياة ولا وجود للهواتف والمنبهات، وكانوا يعتمدون على المسحر طيلة الشهر الفضيل لإيقاظهم على السحور قبيل موعد أذان الفجر، إذ تصحو الأمهات ليعددن السحور وتجتمع العائلة الواحدة على مائدة صغيرة يتناولون السحور.
واشتهر المسحر بإمساكه بطبلة يقرعها بين الفرجان ومرورا بالمنازل وهو يردد أهازيج دينية بصوت عال يسمعه الجميع وينسجم مع قرع الطبلة. وكان المسحر كما هو حال الناس وهم يستعدون لاستقبال شهر رمضان بشراء كل احتياجاتهم، كان المسحر يتجهز لمهنته بإجراء أعمال الصيانة على الطبل لديه حيث يقوم بالتأكد من الجلد الذي يغطي الطبل، واختيار العصا المناسبة التي يدق بها الطبل، وذلك لغرض اصدار صوت عالي يسمعه الجميع.
"الشرق" رافقت المسحر في منطقة الدفنة والتقت بالأعضاء القائمين على هذه المهنة، ورصدت تفاعل الناس والاطفال مع المسحر، حيث ارتسمت البسمة على وجوه الكبار والصغار الذين حرصوا على توثيق هذه اللحظات بالتصوير، وتوافدوا من مختلف الاحياء السكنية لحضور ما يقوم به المسحر الذي يقضي ساعة وتزيد عن ذلك بعض المرات وهو يجوب الشوارع ويدق الطبل.
عادة تراثية أصيلة
وقال فيصل ابراهيم التميمي باحث تراث وقائم على المسحر: يعود تاريخ المسحر إلى القرون الماضية وتحديدا في الدولة العثمانية حيث لا وجود للهواتف ولا المساجد المزودة بميكروفونات ليصل صوت الأذان إلى جميع الأحياء السكنية، لافتا إلى ان الولاة آنذاك أرادوا ابتكار طريقة يوقظون بها الناس على السحور، إذ كان معظمهم لا يستطيعون الاستيقاظ لشدة التعب وعدم وجود منبهات للقيام بذلك، وتوصلوا إلى فكرة ان يقوم مجموعة من الناس الذين يتم اختيارهم بالضرب على الطبول وهم يتجولون بين المنازل، وتطورت الفكرة شيئا فشيئا لتكون مصحوبة بأهازيج دينية، حتى وصلت إلينا وما زلنا نحافظ عليها حتى يومنا هذا إذ انها تعتبر من تراث الآباء والاجداد، ونسعى إلى الحفاظ عليها في منطقة الدفنة. وأضاف التميمي، في كل عام ومع دخول الشهر الفضيل يجتمع أعضاء فرقة المسحر في المجلس ويستعدون للانطلاق في تمام الساعة الواحدة ليلا ويجوبون الأحياء السكنية في الدفنة وهم يرددون كلمات دينية ويرددها خلفهم من يصاحبهم من الاطفال وسكان المنطقة.
مشاركة العائلات
وأوضح ان العائلات اعتادت على وجود المسحر حيث إنهم يبادرون بالسؤال متى ينطلق المسحر، ويستعدون لمرافقته مع الآباء والأمهات الذين يصطحبون أبناءهم لمشاهدة ما يقوم به المسحر من دور، ويخبرونهم بما كان يفعله سابقا عندما كان لا وجود للهواتف والمنبهات عكس ما نحن عليه اليوم من تطور ودوره في ايقاظ الناس على السحور قبل موعد أذان الفجر.
وأكد ان المسحر عادة تراثية يحافظون عليها من الاندثار ويحرصون على ايصالها للأجيال القادمة حتى تستمر، خاصة في ظل التطور المعاصر، الذي يتطلب الحفاظ على التراث وعلى مهنة المسحر بما كان عليه وعرفت به دون أي إضافات في طريقة المسحر بإيقاظ الناس وقرع الطبل والاهازيج التي يرددها.
فعالية محببة لدى الأطفال
وقال مصطفى فتح الله القائم بمهنة المسحر: منذ 40 سنة نحن نقوم على مهنة المسحر في مختلف المناطق بالدولة، حيث إن هذه العادة أو بالأحرى المهنة تعود إلى القرون الماضية ولا تزال تحافظ عليها العديد من الدول العربية والإسلامية، إذ يقوم المسحر بدوره وهو يجوب الشوارع والمناطق على قدميه ممسكا طبلة يقرعها قبل كموعد أذان الفجر بغية ايقاظ الناس على السحور، وتعتبر تراثا عربيا وإسلاميا منذ القدم وحتى الآن.
وأضاف، ما أن يخرج المسحر استعدادا للانطلاق إلا ويجتمع الأهالي حوله ويخرج كبار السن والاطفال من منازلهم ليستذكر كبار السن سنوات من اعمارهم قضوها بكل بساطة والمسحر كان يوقظهم من نومهم لتجهيز السحور وتناوله، أما الاطفال فيرافقون المسحر ويجوبون معه الفرجان والبسمة قد ارتسمت على وجوههم فرحا بمشاركتهم وما يرونه من عادة تراثية كانت وما زالت مستمرة حتى اليوم.
تاريخ مهنة المسحر
والمسحر هو ذلك الشخص الذي يجوب الشوارع والأزقة خلال شهر رمضان المبارك بغية إيقاظ الصائمين قبل آذان الفجر، لتناول السحور قبل بدء صيام النهار، مرددا « لا إله إلا الله، محمد يا رسول الله.. لا إله إلا الله، سحور يا عباد الله»، ويعود أصل هذه المهنة إلى الحضارة العربية الإسلامية القديمة، حيث كانت الوسائل الحديثة للاتصال غير متوفرة، وكان من الضروري إيقاظ الناس لتناول السحور. وترتبط هذه المهنة بتقاليد رمضان في العالم العربي والإسلامي حيث كانت جزءا لا يتجزأ من حياة الناس في تلك الحقبة، حيث كانوا ينهون يومهم بعد صلاة العشاء والتراويح، ويبدؤونه بعد صلاة الفجر، وكان المسحر يلعب دورا مهما في تحديد هذه الساعات وإشعار الناس بقرب موعد السحور.
وترجع عادة تنبيه الناس إلى وقت السحور إلى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يؤذن للفجر مرتين، وكان بلال بن رباح يؤذن قبل الوقت ليعلم الناس بأن حان وقت السحور، بينما كان عبدالله بن مكتوم يؤذن وقت الفجر ليمتنع الناس عن الطعام والشراب، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية تباينت وسائل تنبيه الصائمين إلى وقت السحور.
ومهنة المسحراتي ظهرت رسميا في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي، وكان قد أصدر أمرا بأن ينام الناس مبكرا بعد صلاة التراويح، وكان جنوده يمرون على البيوت ليوقظوا الناس لتناول السحور، وفي عهد الدولة العباسية كان عتبة بن إسحاق أول الولاة، وكان واليا على مصر، وهو أول من عمل بهذه المهنة، وكان يخرج بنفسه سيرا على قدميه لإيقاظ الناس مرددا «يا عباد الله تسحروا، فإن في السحور بركة» حسب المصادر التاريخية.
إيقاظ الصائمين
وانتشرت مهنة المسحر أو المسحراتي في كافة البلدان العربية والإسلامية، حيث كانوا يستخدمون الطبلة لتنبيه الناس لوقت السحور، ويرددون الأناشيد والأدعية وينادون على الناس وهم يدقون الطبول لينتبه الناس ويستعدون لتناول السحور. ففي اليمن كان المسحر يقرع الأبواب بالعصا. بينما في المغرب كان يعزف على المزمار، وفي الشام كان يمر على البيوت ويعزف على العود والطنابير وينشد الأناشيد الدينية الخاصة برمضان.
وعبر السنين، ابتكر المسلمون وسائل لإيقاظ الناس لتناول السحور، مؤمنين بأن التنبيه على الصائمين جزء من التعاون على البر والتقوى ومن أفعال الخير، وكان لصاحب مهنة المسحر دور مهم في إيقاظ الناس لتناول سحورهم في زمن كان يتسم بالبساطة، حيث لم تكن هناك مكبرات صوتية أو وسائل إضاءة كبيرة أو وسائل ترفيه تمكن من السهر. فقد كان الجميع في انتظار هذا الزائر الذي يجوب الأحياء، ممسكا بأداته التي يقرعها ليحدث صوتا مرتفعا، سواء كانت طبلا أو نحاسا، مرتفعا طوال جولته ذكر الله، ليعلو الذكر في كل مكان، مواكبا لشهر الرحمة والغفران.
مساحة إعلانية