الأحد 17 مارس 2024 07:22 صباحاً
عربي ودولي
26
أسواق القدس بلا زينة تضامناً مع غزة الحزينة
❖ القدس المحتلة - محمـد الرنتيسي
ليست القدس على عادتها في رمضان، فالحرب الشعواء والمجنونة التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة، اغتالت عادية الأيام في حارتها وأزقتها، فغابت الطقوس التي اعتادت أن تترك بصماتها وتواقيعها على أسوار المدينة المقدسة وتمضي.
بدت القدس في الجمعة الأولى من الشهر الفضيل، مرتبكة وحزينة في آن، لكنها أمام مشروع إخفائها وإطفائها الطويل الأمد، بدت أقرب إلى النظر في مرآتها، لترى صورتها من دون هذا الاحتلال المتوحش، وقد استردها أهلها من غربتها.
زينة رمضان غابت قسراً عن أسواق القدس، لأن آلة الحرب الاحتلالية لا زالت تلقي بأثقالها وحممها فوق رؤوس المواطنين العزل في قطاع غزة، ولا تتورع عن استخدام أحدث ما توصلت إليه الأسلحة الأكثر فتكاً ودماراً، ضد النازحين الباحثين عن لقمة إفطارهم، ولا تقيم وزناً ولا احتراماً لمشاعر المسلمين الصائمين.
في شوارع القدس العتيقة، وبلدتها القديمة، فوانيس رمضانية لا تجد من يشتريها، وشيء من الحلويات للأيام المرة، والقدس الصائمة تواصل الحياة، فتصوم رمضان تحت حصار خانق، يشل حركتها التجارية المعهودة، فيما اقتحامات عصابات للمستوطنين لأولى القبلتين، تنال من طقوس رمضان وعاداته، وتقتل نكهته الخاصة، وكل ما يرافقه من بهجة وإعداد واستعداد، فكيف تتزين القدس، وترتدي ثوبها المعهود، بينما تزهق أرواح المئات في وجبة يومية، دأبت عليها قوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر الماضي.
يعمل أبو ناصر البديري (72) عاماً، منذ نحو خمسة عقود في إعداد الحلويات وبيعها في القدس، ولم يستقبل سوى مشترٍ حتى موعد صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان.
يقول وهو ينظر إلى الأواني التي لا تزال على حالها، وممتلئة بالحلويات: «كثرة المتجولين في أسواق القدس لا تعني أن حركة الشراء قوية، فمنهم المتفرج، والبعض يجد في السوق مكاناً للمتعة، لقد اختفت معظم الطقوس المعهودة لشهر رمضان في القدس، وخصوصاً شراء الحلويات الرمضانية.. كنا في مثل هذا الوقت لا نستطيع الوقوف، لكن بفعل الحرب على غزة وحصار القدس، انقلبت الأحوال، وأصبحت أسواق المدينة شبه خالية، والحمد لله على كل حال».
ويوضح لـ «الشرق»: «اليوم غالبية العائلات تبحث عن المواد الأساسية، وعن رغيف الخبز، ولا تطلب الحلويات، ومظاهر رمضان هذا العام خافتة، لكن يبقى مذاقه مختلفاً في القدس، نظراً لروحية المكان التي يمتلئ بها كل زائر للمدينة المقدسة».
ويلحظ الزائر للبلدة القديمة من القدس، أن الحزن يلف أكناف بيت المقدس، أكان بفصل القدس عن باقي المدن الفلسطينية، أو محاولات الاحتلال الدائمة لتهويدها وطمس هويتها، وفي الأسواق القديمة العشرات من المحال التجارية تتراص يميناً وشمالاً، بعضها مغلق، والآخر مفتوح على استحياء، وللوهلة الأولى تشعر بأن وقت الصلاة قد حان، لكن بعد التدقيق في الوقت، فإنه لم يحن بعد، فما الأمر؟.. الحرب العدوانية على قطاع غزة ألقت بظلالها القاتمة.
واعتاد أهل القدس في رمضان على قرع طبول المسحراتي، وهو يجوب شوارعها العتيقة ويضيء الفوانيس في أزقتها، وتصاحبه أصوات الفتية وهم ينشدون ويهللون فرحين مستبشرين بالشهر الفضيل، وسماع مدفع رمضان الشهير، غير أن هذه المشاهد غابت هذا العام، وحل بدلاً منها صيحات المستوطنين، الذين يعملون ليل نهار على إزعاج المقدسيين والتنغيص عليهم، بل ويتفننون في أساليب القمع، من خلال التربص بالمصلين المارين في أزقة البلدة القديمة ليلاً، والاعتداء عليهم بالضرب، وخصوصاً مع وقت صلاتي العشاء والفجر.
«لم نعد بحاجة إلى المسحراتي، فالبركة في عصابات المستوطنين، التي تيقظنا بإلقاء الحجارة على منازلنا» قالت جود الحسيني (25) عاماً لـ «الشرق» مبينة أنها أصبحت تخشى من التوجه للمسجد الأقصى لصلاة التراويح أو الفجر، بسبب اعتداءات المستوطنين الدائمة، والتي يقصد منها إبعاد أهل القدس عن المسجد، لكن هذا لن يثنينا عن أداء واجبنا الديني والوطني، حتى لو كان الثمن دماءنا وأرواحنا.
غابت أصوات الناس التي كانت تملأ المكان، ولم نعد نسمع في القدس غير صوت جنود الاحتلال، ودبيب أحذيتهم الثقيلة التي تدوس القلوب، قبل أن تدوس أرض القدس الطاهرة، لكن أهل «إيلياء» مصممون على التواجد في ساحات المسجد الأقصى والدفاع عن قدسيته.
مساحة إعلانية
المصدر : أخبار قطر : العدوان على غزة يطفئ بهجة رمضان في القدس