الأحد 17 مارس 2024 07:22 صباحاً
ثقافة وفنون
22
❖ طه عبدالرحمن
لشهر رمضان المبارك، قيمة روحية كبيرة، تجعله من أفضل شهور العام، ومن هذه القيمة ينطلق الصائمون إلى الاستفادة من أوقاته، وما يجود به من خير وبركة.
وهنا تتوقف "الشرق" عند كيفية استفادة المبدعين من روحية الشهر الفضيل، وتوظيف ما يفيض به من روحانيات في جوانب إبداعية، علاوة على التوقف عند أبرز تجاربهم وأعمالهم خلال الشهر الفضيل، سواء التي أنجزوها، أو يعتزمون انجازها.
وفي الوقت الذي لا يختلفون فيه على أهمية الشهر الكريم وقيمته الروحية بالدرجة الأولى، إلا أن ما يجعله متمايزاً لمبدع عن آخر، تلك الأوجه الإبداعية المتعددة التي يمكن توظيفها خلاله، لتكون الاستفادة مرتين، مرة بكل ما يحمله من قيم إيمانية، وأخرى بكل ما يهيئه من أجواء لإطلاق قرائحهم الإبداعية.
د. زكية مال الله: أستلهم منه إشعاعاً للكتابة والقراءات المتنوعة
تصف الكاتبة د.زكية مال الله العيسى شهر رمضان بأنه ضيف عزيز، «يأتينا محتشداً بطقوسه وأنواره، ولنا أن نفرح بقدومه ونهيئ له المكان والنفس والجسد ونشرع له أبواب الفكر والعلم والإحساس، فهو الملهم للقرائح والمحفز للإبداع حيث الاستغراق في تفاصيل الحياة اليومية، والتأثر بالمفردات المتعددة مثل العبادة والتفكر والتأمل والتواصل مع الناس وأعمال الخير والإحسان، ما يجعله مؤثراً للمنتج الإبداعي المتميز والرياضة الفكرية المتألقة. وتقول: أميل في رمضان إلى العزلة والابتعاد عن الحياة الاجتماعية والسهرات والغبقات والأسواق والمطاعم، وأعتبر الشهر محطة لاستراحة العقل والقلب والنفس والجسد، حيث يغدو الصيام فرصة لاستلهام الحس الصوفي واستشعار القرب من الله والتزود من الخلوة معه والنورانية التي تضاعف الإحساس بالنقاء والصفاء والرغبة في عمل الخير والبر والإحسان، ولذلك أجد في الانصراف إلى العبادة الشاغل الأول للوقت، يليها القيام بما يمكن من أعمال العطاء والتواصل مع الأقرباء والأصدقاء والمحتاجين والضعفاء داخل وخارج البلاد.
وتتابع د.زكية مال الله: تستهويني متابعة البرامج التلفزيونية الثقافية مثل المحاضرات والندوات الدينية وبرامج الطبخ والبرامج السياحية وأحوال العالم وطقوس رمضان في البلاد الأخرى، ولأن رمضان مصدر إشعاع روحاني مؤثر في الحالة النفسية والاجتماعية للمبدع، فإنني أستلهم من هذا الإشعاع المادة لكتابة القصائد الجديدة والمقالات النثرية والقراءات المتنوعة لبعض الكتب والأشعار، وكتبت فيما مضى العديد من المقالات الصحفية المنشورة والقصائد الدينية في الشهر الفضيل، كما شاركت في أمسيات شعرية وندوات وبرامج ثقافية، ولازلت أجد الوقت للقراءة والكتابة والتأثر بالتفاصيل والمفردات التي يفرزها الشهر في المخيلة وتعانق سموات الروح وترتقي بالفكر، كما أن للرياضة متسعاً من الوقت حيث أمارس المشي وبعض الرياضات الخفيفة التي تحفظ للجسم التوازن والاستقرار في الوزن مع تنوع الأطباق الرمضانية والشعبية، وهواية الطبخ وابتكار الأكلات الجديدة، كل ذلك يجعل رمضان فرصة لتجدد الخلايا الدماغية والجسدية، واستغلال الوقت فيما يفيد، والابداع بما يتوفر.
حمد التميمي: أخفف نشاطي الأدبي وأدرس مشاريعي المستقبلية
يؤكد الكاتب حمد التميمي أن رمضان يتميز عن بقية أشهر السنة من حيث روحانياته وأسلوب الحياة ونمطها، حيث يتغير الروتين اليومي كثيرا،»ففي الشهر المعظم نتوقف قليلاً، ويتباطأ نمط حياتنا السريع، وهو ما يمثل فرصة لمراجعة الذات وشحن الطاقة الروحانية والفكرية».
ويقول: تختلف ظروف الكتابة والإبداع في رمضان عن غيره في الشهور الأخرى، حيث تتغير مواعيد النوم والاستيقاظ وأوقات القراءة والكتابة، وأيضا الطقوس المصاحبة لها، فشخصيًا عادة ما تكون القهوة رفيقة لي خلال عملية الكتابة أو التحضر لها، لذلك فإن نسق ووتيرة الكتابة بالنسبة لي يتباطأ بشكل كبير في رمضان، لا سيما أنه الشهر الذي تكثر فيه المجالس والتجمعات العائلية والمناسبات الاجتماعية، لذلك أخفف نشاطي الأدبي بشكل كبير في رمضان، وأكتفي بالعمل على وضع اللمسات الأخيرة لبعض أعمالي التي أعمل عليها على مدار السنة أو للتفكير في الخطوات القادمة والمشاريع الأدبية المستقبلية.
ويتابع: خلال هذه السنة حرصت أن أنهي العمل الذي استمر لعدة شهور قبل رمضان والآن أكتفي بالمراجعة ومتابعة التصميم. ورغم أنني لا أفضل التركيز على العمل الأدبي بشكل كبير خلال رمضان إلا أنني أجد في مشاهدة بعض المسلسلات الرمضانية مصادر إلهام، وفي الأجواء الجميلة والطقس البديع محفزًا للإبداع، وأجدني أسجل في بعض الأحيان أفكارًا وملاحظات يمكن العمل عليها مستقبلا في حال نضجت الفكرة، وتخمرت بالشكل الكافي، لكن المحصلة النهائية للعمل الأدبي بالنسبة لي محصلة سلبية قراءةً وكتابةً.
ويلفت التميمي إلى أن محصلة الأفكار ومصادر الإلهام متعددة، «ومن بين أقرب الأماكن إلى قلبي والتي لا غنى عن زيارتها خلال رمضان، سوق واقف الذي يجعلني أشعر أنني سافرت عبر الزمن، فأجد فيه طاقة كبيرة ومصدرا للإلهام، وفي كل مرة أقضي فيه الوقت أشعر أنني أرغب في كتابة رواية تاريخية، لكن الفكرة تتلاشى بمجرد انقضاء رمضان، لكنني لا أستبعد كتابة رواية تاريخية تدور أحداثها في سوق واقف في المستقبل بعد أن أجد البذرة المناسبة للعمل».
علي المسعودي: صحبة مع القرآن ومعراج إلى الجمال
يقول الأديب علي المسعودي: في رمضان تشرق في النفس شمس جديدة لم نألفها طوال العام يصبح بعدها الحوار مع الروح أكثر من الحوار الجسدي، فكأن الحرمان من الطعام يستبدل بعطاء آخر أكثر عمقاً من الأشياء الحسية.
ويتابع : من عادتي في رمضان أن أتخفف من المشاغل وأقلص قراءاتي لصالح قراءة القرآن والتفسير والبحث في كتب أهل العلم الشرعي، وهنا أجد الكثير من المتعة والجمال لغةً ومعنى وغاية، فأهم إنجاز في رمضان هو عدد ختمات القرآن ومراجعات الحفظ منه، والامتلاء بروحانية المساجد حيث تعود الروح إليها بشكل جديد، مساء يضيء بصوت التراويح، بحركة المسلمين: ألوانهم ومستوياتهم.. صوت الترتيل، الدعاء والابتهال، وإخواننا في غزة والسودان والهند، بجانب الفطور الجماعي والصدقات، لتكون رحلة عمر.. ومعراجا إلى الجمال وصحبة القرآن.. وقربا من السماء.. وصوما عن طغيان النفس.
د. نزار شقرون: القراءة في رمضان تزداد عمقاً
يقول الكاتب والناقد د. نزار شقرون ليس هناك صوم عن القراءة، ففي رمضان تزداد شهية القراءة، لكأن القارئ والكاتب على السواء يدخلان في منطقة الاتصال بأسرار العلم في صفاء تام. هناك شعور بروحانية بديعة حين يكون الجسد صافيا، خاليا من أثقال اليوم، هناك ضفة لا يبلغها غير الأصفياء حين يرتفعون بالذهن إلى مجال التأمل واستدعاء لحظات فكرية.
ويتابع: على امتداد سنوات، كنت أنتظر شهر رمضان لقراءة مراجع أساسية، كثيرًا ما افترضت أنها تحتاج إلى تجرّد ما، فـ «القراءة تجربة روحية وذهنية في آن، وفي رمضان تزداد عمقًا. قد تكون المصنفات مختلفة عن سائر قراءات الأشهر الأخرى، رغم أنني كثيرًا ما أعمل على أن أقرأ بنفس الوله والذائقة والاستقبال الروحي، وكثيرا ما أتصل بكتب التراث العربي الذي ناديت طويلا بإعادة مراجعته وتقديمه وتحليله ونقده». ويلفت د.شقرون إلى أنه «في رمضان تكون تجربة الكتابة مختلفة، تنحو إلى الشفافية والاتصال بالذات أكثر، قد يلتقي ذلك الشعور والدفق بما أشعر به في حالات الكتابة القصوى حين يكون الكائن «خفيفا» خفة الذهن لالتقاط فكرة.
لطالما تخففت من المأكل كي لا أثقل التفكير، إن كل متعة حقيقية تشترط التخفف من المأكل، فالمتعة ليست مجرد تجربة للحسّ، لأن الحسّ البديع هو المزاوج مع نكهة الروح. بمثل ذلك الإحساس كتبت أهم كتاباتي، «أترمضن» خارج رمضان، فما بالك بالكتابة في رمضان نفسه. إنني أقتنص حلوله كي أحلّ في الكتابة التي تفتح آفاقا جديدة، ذلك ما عشته مثلا مع كتابتي للباب المفقود من كليلة ودمنة، التقطت الفكرة الخارقة وأنا صائم، حلّت في ذهني ووجداني وكأنني أقدم على فتح جديد، من شأنه اقتحام مناطق لم تفتح من قبل. كتبتُ الباب المفقود وكأن ابن المقفع قد سكنني، ففي صفاء الروح ونقاوة السويعات تسلّلت الكتابة إلى منطقة الخلق. في النهار كما في الليل يكون الإبداع مختلفا، وإن كان ليل رمضان فرصة للسمر مع الأحبة حول قضايا الثقافة والكتابة».
د. عمر العجلي: الإبداع الرمضاني متعدد الأوجه
يرى د. عمر العجلي، عضو اتحاد المؤرخين العرب، ورئيس لجنة كتارا للمخطوطات والأماكن الأثرية، أن نصف طقوس المبدعين أو أحوالهم في رمضان وكذلك ابداعاتهم، ترتبط بعوامل عدة حسب الخلفيات الثقافية والفكرية والبيئية، متأثرة بالمزاج والأجواء الروحانية التي تسمح بفرصة للإلهام والتركيز الذهني إذ فيها مساحة للتأمل والتفكير العميق إلى جانب أن أوقات رمضان أكثر بركةً وفيها متسع للبحث وترتيب الأفكار.
ويقول: مشارب المبدعين متنوعة، فمنهم من يخصص وقته ويحيي ليلَه بالعبادة، ومنهم مَن يكمل ما لديه من مشاريع فكرية وبحثية أو تطوير فكرة أو أفكار كانت تحت التداول، وربما يجد المبدعون نشاطاتٍ أخرى تتألق فيه مهاراتهم وتتزكى فيها أعمالهم كأعمال خيرية وتطوعية تعكس التعاطف والرحمة، امتثالاً لمقاصد الشريعة السمحاء. وحول نشاطه في رمضان.
يقول د. العجلي: لي بعض النشاطات، منها لقاءات ومشاركات، مثل لقاء مع إذاعة قطر حول تاريخ الإسلام في روسيا وبلاد القفقاس، وذلك يوم 16 الحالي، وآخر حول تاريخ الأمم في القرآن الكريم بحلقة بودكاست (تدبر) التابع للهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم، فضلاً عن المشاركة في فعاليات الخيمة الخضراء، يوم 20 مارس.كما أنني في هذه الأيام المباركات أنهيت مراجعة الطبعة الثانية من كتابي: «قطر..رحلة التأسيس» وسيوزع في معرض الدوحة للكتاب في نسخته القادمة، كل ذلك يعني أن الإبداع في رمضان يمكن أن يكون متعدد الأوجه ويرتبط بالجوانب الروحية والاجتماعية والثقافية للفرد.
أخبار ذات صلة
مساحة إعلانية