الجمعة 16 أغسطس 2024 05:52 مساءً
نافذة على العالم - ثقافة وفنون
26
الدوحة – موقع الشرق
عندما تخرج الأستاذ في جامعة جورجتاون في قطر عدي شاندرا بدرجة البكالوريوس في الاقتصاد من كلية جرينيل في ولاية أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية، لم يتخيل أبدا أن طريقه ليصبح أستاذا سيقود إلى أعماق غابات "جهارخاند" بالهند للعيش بين المجتمعات القبلية. وقد توج هذه الرحلة غير المتوقعة بكتابه الأول " المقاومة كمفاوضات: تشكيل الدول والقبائل على هامش الهند الحديثة"، وهو عمل يتحدى المفاهيم التقليدية للمقاومة وسلطة الدولة.
عن هذه التجربة يقول الأستاذ تشاندرا: "كنت أدرك جيدا أن دراسة الاقتصاد كان اختيارا لتخصص حيوي ومهم، لكن اهتمامي كان يكمن في فهم السياسة والمجتمع باستخدام مجموعة واسعة من الأساليب والسبل". وقد دفعه هذا الإدراك نحو الحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة ييل، حيث بدأ فضوله حول ديناميكيات القوة والمقاومة يتبلور.
ركزت أطروحة البروفيسور شاندرا لنيل درجة الدكتوراه، التي فازت بجائزة ساردار باتيل المرموقة، على تتبع كيف أن تطور مفهوم "القبيلة" تزامن مع عمليات تكوين الدولة الحديثة في جنوب آسيا وخارجها، وعن هذا يقول: "ظهر تخصصي بشكل عفوي إلى حد ما، فقد ذهبت إلى المناطق الريفية في شرق الهند لدراسة الشباب في الحركة الماوية المتنامية في وقت وصف فيه رئيس الوزراء الهندي الماويين بأنهم أكبر تهديد للأمن الداخلي منذ الاستقلال. أردت أن أفهم لماذا حمل الشباب من المجتمعات الريفية المهمشة السلاح ضد الحكومة". وقد قاده هذا البحث المدفوع بالمشاكل إلى الخوض في تاريخ مجتمعات الغابات وتفاعلاتها مع الدول الاستعمارية وما بعد الاستعمارية على مدى القرنين الماضيين.
يعيد كتاب البروفيسور شاندرا،" المقاومة كتفاوض"، تعريف المقاومة على أنها التفاوض مع السلطة بدلا من مجرد المعارضة. ويشرح قائلا: "بدلا من وجهة النظر الثنائية للمشهد بين المؤثرين أصحاب السلطة ومن هم خارجها، أقترح أن نرى المقاومة كنضالات يتفاوض فيها الضعفاء مع الأقوياء، وينتزعون التنازلات". تكشف أبحاثه التي استمرت خمسة عشر عاما كيف شكلت الولايات الهندية الحديثة ورعاياها القبليون بعضهم البعض باستمرار من خلال هذه المفاوضات على مدى القرنين الماضيين.
أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في أبحاث البروفيسور شاندرا هو استكشافه ل "القبلية" وأهميتها المعاصرة. ففي حوالي عام 2016، لاحظ مصطلحات القبائل والقبلية المستخدمة لوصف الدعم المستقطب لعدد من مختلف القادة الشعبويين، وعن هذا الأمر يقول: "كباحث من الجنوب العالمي، كان الأمر مذهلا لأن هذه المصطلحات ارتبطت منذ فترة طويلة بالاستعمار"، يوضح كتاب البروفيسور شاندرا كيف أن مفهوم القبلية، الذي كان يستخدم في المقام الأول لوصف مجتمعات السكان الأصليين بأنها بدائية، قد عاد للظهور في الخطاب السياسي الغربي، حيث يقول: "إن عودة القبلية إلى قلب المناقشات حول مستقبل الديمقراطيات الغربية يعتبر أمرا مذهلا بالنسبة لي".
يذكر أنه منذ انضمامه إلى جامعة جورجتاون في قطر في عام 2015، استفاد البروفيسور شاندرا من بيئة أكاديمية داعمة كان لها دور فعال في تشكيل عمله. كما شكلت ورشة العمل التي استضافتها جامعة جورجتاون في قطر عام 2016 نقطة تحول حاسمة في بحثه، حيث جمعت علماء من جميع أنحاء العالم لنقد ما قدمه من أبحاث بل وصقله وتهذيبه، وعن هذا يقول: "أنا مدين لهم ولمركز الدراسات الدولية والإقليمية لأنهم جعلوا هذا الأمر ممكنا".
تجسد رحلة البروفيسور شاندرا من طالب اقتصاد إلى أستاذ علوم سياسية القوة الكامنة لسياسة الاستماع وقدرتها على تحويل الاتجاهات والآراء، وتقدم طرقا جديدة لفهم العالم. مع استمراره في توسيع نطاق حدود الأنثروبولوجيا السياسية، تبشر مساهماته بإلهام العلماء والباحثين والممارسين على حد سواء برؤى إنسانية دقيقة وعميقة في تعقيدات تشكيل الدولة والمقاومة.
أربعة دروس من مجتمعات الأديفاسي في كتابة تاريخك
1. استخدم صوتك
تلعب الأصوات المهمشة دورا حاسما في تشكيل التاريخ. وقد أظهرت المجتمعات القبلية أنه من خلال المبادرة بالتحدث والاستماع إليها، يمكنها تأكيد هوياتها وحقوقها حتى في مواجهة هياكل الدولة القوية. لذا فإن كل صوت مهم في سرد تاريخنا المشترك.
2. تحويل المنظور
الابتعاد عن ثنائية المشهد بين المطلعين من الداخل والمتابعين الخارجيين. تكشف الديناميكيات المتدفقة بين هذه المجموعات كيف يتم بناء الهويات وتستمر إعادة تشكيلها من خلال التفاعل والاحتكاك، لذا فوجهة نظرك يمكن أن تعيد تشكيل القصة.
3. أترك بصمتك
إن ما يسمى بالمجتمعات "القبلية" في الهند هي أيضا حديثة التكوين مثل أي مجتمعات أخرى، بثقافاتها وقيمها الاخلاقية وأيديولوجياتها الفريدة. وبالتأكيد فإن تضمين هذه المنظورات المتنوعة يثري فهمنا للحداثة نفسها.
4. التفاوض من أجل التغيير
لا ينبغي النظر إلى المقاومة على أنها مجرد معارضة لسلطة الدولة بل كشكل من أشكال التفاوض. يمكن أن تكون المقاومة أداة استراتيجية لتحقيق تغيير ملموس وذي مغزى، وتحويل كلا الجانبين، الأقوياء والضعفاء على حد سواء، في هذه العملية.
مساحة إعلانية
أخبار متعلقة :