الأحد 31 مارس 2024 06:50 صباحاً
محليات
40
الاحتلال أحال رمضان شهراً للقتل والمجازر الدموية
❖ رام الله - محمـد الرنتيسي
يحظى شهر رمضان المبارك بأهمية عالية عند الشعب الفلسطيني، فهو شهر تكثر فيه شيم المكارم الأصيلة، وهو شهر أولى القبلتين المسجد الأقصى المبارك، حيث يحرص الفلسطينيون على شد الرحال إليه في هذا الشهر العظيم، لكن رمضان ينكأ جراح الفلسطينيين وما أكثرها، فلم تخلُ أيام رمضان من أحداث خطفت بهجته، على مدار سنوات الاحتلال، بفعل آلة الإجرام الصهيونية، فارتكب المحتلون أبشع مجازرهم ضد الفلسطينيين خلال الشهر الفضيل، وعلى امتداد الأرض الفلسطينية.
مجزرة نحالين 1989
في ليلة من ليالي رمضان المباركة، شهر الجهاد والمجاهدين، كانت نحالين، القرية الفلسطينية الوادعة والجميلة، جنوب غربي مدينة بيت لحم، على موعد مع الشهادة، والجهاد في سبيل الله، حيث اقتحمت (35) آلية عسكرية احتلالية القرية، البالغ عدد سكانها نحو (3000) نسمة، الساعة الثالثة فجراً، بينما كان الأهالي يتناولون طعام السحور.
اقتحم الجنود القرية من جهاتها الأربع، لاعتقال عدد من الشبان، وفي الساعة الخامسة فجراً، بدأ المجرمون بإطلاق النار على المصلين أمام مسجد القرية، بعد أن أدوا صلاة الفجر، وكان الجنود يطلقون الرصاص على المصلين بشكل عشوائي، ولا يميزون بين إنسان وغيره، أو بين صغير وكبير.
أخذ جيش الاحتلال المدجج بالقتل والإجرام يصب نار حقده على كل شيء يتحرك أمامه.. إنه أمر أبرم بليل، وخطة جديدة ترمي إلى إرهاب الناس والقضاء على معنوياتهم العالية، وكانت الأراضي الفلسطينية تشهد في حينه، العام الثاني للانتفاضة المباركة الأولى «انتفاضة الحجارة» وقد خاب ظن الاحتلال، الذي أدرك أنه يتعامل مع شعب مؤمن، ارتبط بالأرض الفلسطينية الطاهرة الروية بدماء الأحرار وارتبطت به.
علت هتافات الشبان في نحالين، بعد سماعهم لإطلاق النار، ومعرفتهم بالحادث «الله أكبر ولله الحمد.. حي على الجهاد» وفي تصرفات حاقدة، دخل الجنود إلى المسجد وحطّموا نوافذه، وهم يرددون الشتائم بحق الذات الإلهية، وبحق الرسول محمـد صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بجديد على من كرهوا رسول الله وحاربوه، فمكنه الله من رؤوسهم، حتى طهر الجزيرة من رجسهم، وقلع أشواكهم، التي نبتت فيها كنبتة غريبة في ديار العروبة والإسلام.
لقد سقط في هذه المذبحة 5 شهداء، سالت دماؤهم الزكية، واختلطت بسجاد المسجد، واختنقت الأصوات على مآذن القرية، وناحت على شهداء نحالين.. «ناح الأذان على المآذن حسرة.. وتصدعت من حزنهن قبابُ».
مجزرة الحرم الإبراهيمي 1994
في يوم الجمعة، ومع انتصاف شهر رمضان المبارك، وفي لحظات الفجر الأولى كان الإرهابي المجرم «باروخ غولدشتاين» يضغط على زناد رشاشه ليحصد أرواح الأبرياء من الركع السجود، الذين كانوا آمنين مطمئنين في صلاتهم، ليترك حقد رصاصه (29) شهيداً في ساحات الحرم الإبراهيمي الشريف بمدينة الخليل.
وكان من بين الشهداء أطفال وشباب ومسنون، سقطوا بنيران المستوطن الحاقد، الذي تربى على الإرهاب وسفك الدماء، فضلا عن جرح مئات الأبرياء، الذين لا زالت إعاقات بعضهم ماثلة للعيان، حتى بعد مرور 30 عاماً على المجرزة الرهيبة.
مجازر غزة 2014
خلال شهر رمضان قبل 10 أعوام، كان جيش الاحتلال يمارس هواية القتل بكل سادية ووحشية، فيما عرف بعملية «الجرف الصامد» والتي أكملت مشاهد العنف التي سادت في الأيام الأولى من الشهر الفضيل، وبدأت بحصار محكم لمدينة الخليل، بعد الإدعاء بخطف جنديين في المنطقة، ومن ثم جريمة خطف وحرق الطفل المقدسي محمـد أبو خضير، على أيدي عصابات المستوطنين، لتبدأ قوات الاحتلال حرباً ضارية على قطاع غزة.
تخلل تلك الحرب، قصف مدفعي ومروحي، على مدار شهر رمضان، فحلت أصوات المدافع وقاذفات الطائرات المقاتلة، مكان «مدفع رمضان» وارتكبت قوات الاحتلال مجازر وحشية ضد حيي الشجاعية والشيخ رضوان، ومدن غزة وخانيونس ورفح، وأبيدت خلال تلك الحرب عائلات بأكملها، إذ كانت طائرات الاحتلال تتعمد قصف المنازل والمنشآت السكنية وقتي الإفطار والسحور، لضمان تجمع العائلات والأسر الفلسطينية، وبالتالي قتل أكبر عدد ممكن.
ومع مرور الأيام، أصبح استهداف المنازل والمباني والمدارس التي لجأ إليها الأهالي، نهجا وسياسة لجيش الاحتلال بتلك المجازر التي استمرت حتى خلال أيام العيد، وأسفرت عن استشهاد (2174) فلسطينياً، وجرح ما يزيد عن (10870) آخرين، وفقدان (145) عائلة فلسطينية كامل أو غالبية أفرادها، فضلاً عن هدم وتدمير (17132) منزلاً و(62) مسجداً، جراء القصف المتواصل، وسقط على قطاع غزة بتلك المجازر (8210) صواريخ جوية، و(15736) قذيفة بحرية، و(36718) قذيفة برية.
مجازر غزة 2023
على وقع هدير الطائرات وأصوات المدافع والقصف الجوي العنيف والمجازر الدامية، استهل أهالي غزة شهر الصيام، بعد أن أذهب العدوان الهمجي الاحتلالي كل أشكال الاحتفال بالشهر الفضيل.
علت أصوات القصف من السحور إلى الإفطار، واستمر سقوط الشهداء من المدنيين، وغالبيتهم من الأطفال والنساء والمسنين، فيما قضى آخرون بفعل حرب التجويع، إذ وصل عدد الشهداء حتى كتابة هذه السطور، إلى 32705 وأضعاف أضعافهم من المصابين والمشردين والنازحين.
واستمرت معاناة أهالي غزة لجهة توفير الطعام اللازم لهم في هذا الشهر، وذلك بسبب الحصار الخانق والجائر التي تفرضه دولة الاحتلال، فخلت الأسواق من الكثير من السلع والمواد الغذائية الأساسية، فيما ارتفع أثمان المتوفر منها بشكل جنوني، يفوق قدرة السكان الذين يعانون الفقر والبطالة منذ أكثر من 17 عاماً.
تاريخ أسود
وسيظل شهر رمضان، شاهداً على حجم الجرائم، التي يقترفها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين، إذ لاقى الشعب الفلسطيني فيه ألواناً من الإرهاب والمجازر، ضمن برنامج الاقتلاع والتطهير الذي تبنته الحركة الصهيونية، لإفراغ فلسطين من سكانها، والعمل على إحلال اليهود مكانهم.
ومن يسترجع ذاكرة التاريخ، يرى الدماء وهي تسيل مدرارة من الأطفال، ويسمع الصراخ والعويل من النساء والشيوخ، وهل ينسى الفلسطينيون تعليمات رئيس الوزراء الهالك «رابين» وهو يأمر جنوده بتكسير عظام الأطفال، لأن أحدهم ربما ألقى حجراً على دورية احتلالية مصفحة!.
ولا زال التاريخ، يختزل عمق المآسي الفلسطينية على أيدي قوات الاحتلال في شهر رمضان، فمن نحالين إلى الخليل، ومن جنين إلى رفح، سجل إجرامي يضع الكيان الصهيوني على قائمة التاريخ الأسود.
مساحة إعلانية
المصدر : أخبار قطر : رمضان فلسطين.. شهر المجازر والشهداء
أخبار متعلقة :