محليات قطر : مركز مناظرات قطر ريادة عالمية في إنتاج المعرفة

محليات

14

❖ الدوحة - الشرق

شهد مركز مناظرات قطر – من إنشاء مؤسسة قطر للتعليم والبحوث وتنمية المجتمع – تطوراً متسارعًا في البرامج التي يقدمها لتعزيز وإثراء ثقافة الحوار وتمكين العقول محلياً وإقليمياً وعالمياً، وبعد النجاحات المتتالية التي حققها المركز وريادته في عالم المناظرات التنافسية عبر البطولات التي نظمها حول العالم، حرص القائمون على مناظرات قطر توسيع نطاق البرامج التي يقدمها المركز لتساهم في ترسيخ ثقافة الحوار الفاعلة وإنتاج محتوى معرفي رصين في مجالات المناظرة والحوار،  حيث أطلق مناظرات قطر مجموعة من المبادرات والبرامج خلال السنوات الأخيرة ترتسم خلالها ملامح البرامج الأكاديمية والبحثية المتخصصة بالمناظرة والحوار والتي تفرد المركز بطرحها حول العالم، وتستند تلك البرامج الى ثلاث ركائز هي: برنامج الدراسات العليا، وبرنامج الزمالة البحثية، بالإضافة إلى المؤتمر الدولي للمناظرة والحوار.

    ماجستير فن المناظرة في الفقه المقارن

ترتبط المناظرة كممارسة حجاجية وحوارية بشكل وثيق بالعلوم الإسلامية، حيث عرفها علماء المسلمين قديماً وترسخت عندهم بما كان يعرف «آداب البحث والمناظرة» وعُرفت الكثير من المناظرات الفقهية والكلامية من التراث الإسلامي بين العلماء والأئمة.

 ومن هذا المنطلق وبالتعاون مع جامعة الزيتونة التونسية استقبل المركز الدفعة الأولى من طلبة الماجستير عام 2022 في أول برنامج للدراسات العليا متخصص بالمناظرة في العلوم الإسلامية عالمياً تحت عنوان «ماجستير البحث في العلوم الإسلامية: فن المناظرة في الفقه المقارن»، ليكون باكورة برامج الدراسات العليا التي يرعاها مناظرات قطر، واستكمالا لجهوده السابقة في طرح المقررات الأكاديمية المعنية بالمناظرة في مختلف الجامعات محلياً ودولياً.

وفي هذا الصدد قال الدكتور عبداللطيف البوعزيزي – رئيس جامعة الزيتونة: «تأكيدًا على توطيد سبل التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك واستخدام الإمكانات البحثية والفكرية والعلمية بين جامعة الزيتونة ومركز مناظرات قطر، وبناء على الشراكة الأكاديميّة القائمة بين المؤسستين، عملنا على تطوير مشروع الدراسات العليا وطرح برنامج نوعي آخر يربط المناظرة والعلوم الإسلامية، ضمن سياسة إستراتيجية لجامعة الزيتونة لتجسير العلاقة مع المؤسسات الدوليّة وتجويد الممارسات البيداغوجيّة والارتقاء بالمضامين التعليميّة والدفع نحو استعادة ريادة جامعة الزيتونة في التعليم الشرعي الوسطي المعتدل والمنفتح والقائم على ثنائيّة الأصالة والحداثة واستقطاب الطلبة من كافة أقطار العالم».

من جانبه قال الدكتور محمد المدنيني – الأستاذ المساعد في الفقه وعلومه في جامعة الزيتونة: «نطمح أن تكون هذه المبادرة البحثيّة الأكاديميّة مثالًا لما يمكن أن يُؤَسَّسَ في اختصاصات أخرى بالاستفادة من مخزون تراثنا الغني بالمناظرات في شتّى فروع العلم والاستئناس بمجلوبات العلوم الحديثة حتّى نفتح آفاقًا أرحب أمام طلابنا في بلداننا العربية الإسلامية يساير تطوير خبراتهم ومهاراتهم وتربيتهم على السجالات العلميّة والتعبير عن الرأي بدقة ووضوح، وقبول قواعد المناقشة وآدابها».

زمالة مناظرات قطر البحثية 2022

وإذ يفتقر العالم العربي للنتاج المعرفي في مجالات المناظرة والحجاج والحوار، والتي هي ممارسات من صميم عمل المركز، فكان لمناظرات قطر السبق في إطلاق زمالة بحثية بهدف رعاية الباحثين المهتمين في تطوير المعرفة في مجال المناظرة والعلوم المتقاطعة معها، ويهدف البرنامج إلى استقطاب الباحثين والأكاديميين من ذوي الاهتمام في مجال المناظرات لتمكينهم من تقديم بحوث أكاديمية رصينة ونشرها عبر توفير مختلف سبل الدعم الأكاديمي والمالي لمدة سنتين قابلة للتمديد لكل مشروع، ويرعى البرنامج في الوقت الحالي سبعة مشاريع بحثية تتنوع مواضيعها بين تحليل أساليب الحجاج العربي المعاصر، وتطوير نموذج للذكاء الاصطناعي لفهم الحجاج العربي، وفهرسة ودراسة المخطوطات القديمة المعنية بالمناظرة والممارسات الحوارية في التراث الإسلامي، وصولاً إلى دراسة دور المناظرة كأداة لتطوير مهارات التفكير الناقد لدى المتعلمين.

  «المناظرة كممارسة تعليمية عالية التأثير للتفكير النقدي»

يشارك الدكتور بيير من قسم الفلسفة والتعليم في جامعة وندسور – كندا كمنتسب خبير في هذه الزمالة حيث يعمل على بحث نوعي مبتكر يدرس فيه تجربة مناظرات قطر في التعليم لأجل التفكير الناقد بدلاً من تعليم التفكير الناقد. إذ يقول أن تجربة المناظرة للطلبة تمكنهم من مهارات التفكير الناقد بشكل تلقائي دون أن يتم تدريسها لهم بشكل مباشر.

  «الاستراتيجيات البلاغية في المناظرة والحجاج العربي – بحث قائم على منهجية المدونة الرقمية»

من منطلق افتقار المكتبة العربية للمدونات الرقمية، يأتي مشروع الدكتور عبدالجبار أستاذ اللسانيات والترجمة في جامعة السلطان قابوس بهدف بناء مدونة رقمية من عدد كبير من المناظرات العربية التي نظمها مركز مناظرات قطر عبر السنوات الماضية وتهيئتها حاسوبيًا لعمليات التحليل والاستقصاء للاستراتيجيات البلاغية والحجاجية التي يستخدمها المناظرون لإقناع لجان التحكيم والجمهور.

والبحث يستخدم مادة المناظرة المعاصرة لأول مرة بمنهجية المدونة الرقمية والمعالجة حاسوبيا لتحديد الاستراتيجيات المستخدمة وتصنيفها وفق التصنيفات المتبعة في الأدبيات ذات الصلة، إضافة إلى تحليل المدونة لاختبار بعض المتغيرات في استخدام استراتيجيات الحجاج عند المناظرين باللغة العربية أو بغيرها، فضلاً على ذلك فإن البحث سيتخلص النتائج والتوصيات التربوية والتعليمية المتعلقة بجوانب التدريب على المناظرة وإمكانية تطبيقها ودمجها في مناهجنا التعليمية.

 «مقارنة أساليب القياس في الحجاج بين الجدل الإسلامي ونظرية الحجاج الحديثة»

يسعى بحث الأستاذ محمد المحاضر في جامعة دار الهدى الإسلامية بالهند لإثبات أمرين، الأول أن المناظرات الإسلامية وقواعدها ليست مجرد دراسات تاريخية فحسب بل إن المناقشات النظرية التي تتم من خلالها تساعد على اتساع مساحة الفهم للمنطق، أما الأمر الثاني فهو أن الجدل ليس الغاية منه تقليل الاختلافات في الفقه فحسب بل هو إثبات حقيقة الاستقلال الفكري للعلماء، ويضيف الأستاذ كوماث: «تتخلص أهمية المشروع في تعاطيه مع مشكلتين في الدراسات الإسلامية وهما أن التراث الفكري الإسلامي يُدرس بوجهة نظر تاريخية وهذا نتيجة آراء متحيزة تؤكد عدم وجود علم المنطق في التاريخ الإسلامي، والمعضلة الثانية بأن الفكر الشائع في دراسات علم المنطق في الإسلام تستند على منطق أرسطو أو أفلاطون وسوف نثبت من خلال البحث أن تلك العلوم تتشعب من علم وصفه الغزالي – علم يزدوج فيه العقل والنقد – هو علم الجدل وجذوره من منطق الفقه الإسلامي لا من أرسطو وأفلاطون».

    المؤتمر الدولي الأول للمناظرة والحوار

بهدف خلق شبكة فاعلة من العقول اللامعة وإتاحة المساحة للأكاديميين والباحثين والناشطين في مجال المناظرة حول العالم لعرض المشاريع البحثية ومناقشة أفضل الممارسات في نشر ثقافة الحوار والمناظرة، أطلق مناظرات قطر النسخة الأولى من المؤتمرالأكاديمي «المؤتمر الدولي للمناظرة والحوار» في مايو 2023 والذي حظي بمشاركة ما يزيد على 80 ورقة علمية، وإقامة العديد من المحاضرات المتخصصة وورش العمل والجلسات الحوارية، وبحضور مجموعة من الرؤساء التنفيذيين لمجتمعات المناظرة حول العالم وأكثر من 700 مشارك من داخل وخارج دولة قطر. ويُعد هذا المؤتمر نواة شبكة أكاديمية تدرس تجارب الحوار والمناظرة في ماضيها وحاضرها، وتزود المركز بنظرة أعمق وأدق وأشمل تمهد الطريق لإنتاج معرفي معاصر يرفد المعارف المتاحة في مجال المناظرة.

 كما شهدت النسخة الأولى من المؤتمر توقيع العديد من اتفاقيات الشراكة مع جهات بحثية وأكاديمية وتعليمية مثل جامعتي يوتاه ولويڤل في الولايات المتحدة، ومركز دراسات الحجاج والخطابة في جامعة وندسور في كندا، ومؤسسة ولي العهد في الأردن، ومعهد الجزيرة للتدريب.

ولا تتوقف جهود البرامج البحثية والأكاديمية في مركز مناظرات قطر عند هذا الحد، بل تتوسع لتشمل سلسلة الجلسات الحوارية المتميزة مع الخبراء والمتخصصين وصناع القرار تحت مبادرة «واحة الحوار» التي قدمها مناظرات قطر للجمهور منذ 2020، والتي شهدت انعقاد المنتدى الأول في سلطنة عمان يناير 2024 بحضور 100 مشارك تحت عنوان «منتدى واحة الحوار/‏‏ الهوية والسياحة في دول مجلس التعاون»، ضمن خطوة جادة في إشراك الشباب الخليجي في دراسة السياسات والخطاب المؤسساتي في المواضيع ذات الاهتمام المشترك وطنياً وإقليمياً ودولياً.