الجمعة 14 فبراير 2025 06:21 مساءً
نافذة على العالم - لولا الحب، ما كانت الحضارة المصرية، ليست هذه مقولة لأحد المؤرخين الكبار، لكنها توصيف لحالة المصرى القديم الذى استطاع أن يقيم أقدم وأعرق حضارة بالتاريخ، بالحب، فقد أحب المصرى القديم بلده، وأحب نيلها وأرضها وسماءها ورملها، وأخلص لها كما لم يخلص أحدا من قبله لبلده، فكانت النتيجة، حضارة عاشت أكثر من 7 آلاف عاما، وحده الحب الذى كان قادرا على إعطاء المصرى قوة الاستمرار، فالحضارة المصرية علمت العالم قيمة الحب، ليس فقط حب الوطن، لكنها أسست لأعظم قصص الحب العاطفية الباقية حتى الآن، فعلى أرض مصر، وُلدت أول قصة حب عرفها التاريخ.
حتى وإن كانت إيزيس وأوزوريس هى أسطورة خيالية، إلا أنها أسست لعلاقة حب فريدة من نوعها، علمت المصري عبر القرون المتوالية كيف يحب، وكيف يُخلص وكيف يُضحى فى حبه.
لا يوجد طفل صغير لا يعرف أسطورة إيزيس وأوزوريس، فهي جريمة قتل أوزوريس، فرعون مصر، على يده أخيه ست، الذى ما إن قتله حتى اغتصب عرشه، لكن إيزيس زوجة أوزوريس لم تيأس، وظلت تبحث عن أوزوريس، حتى عثرت عليه، لكن ست تمكن من إعادته لحوزته مرة أخرى، ثم قام بتقطيعه إلى 42 جزءًا، ووزعها على أقاليم مصر، لكن إصرار الزوجة المصرية لم ينته بعد، فظلت إيزيس تبحث عن أشلاء زوجها، حتى جمعته، وأنجبت منه "حورس"، ليكبر الابن وينتصر على ست في النهاية.
عاشت تلك القصة، أعواما وقرونا وآلاف السنين، ومازالت تمثل نموذجا عن الحب والإخلاص فيه، حتى بات الأسطورة أيقونة مصرية خالصة، تُلهم أبناء وبنات أرض مصر، الكثير من المعاني عن الحب والتمسك بهذا الحب رغم الصعاب.
الأسطورة اتخذت مدى أكبر من تأثيرها التاريخي، لتتحول إلى أسطورة مؤسسة لمعانى كثيرة، بل أن الجانب الدرامي الذى يحيط بها، فتح آفاقا واسعة لشكل الدراما المصرية، حتى من قبل الأساطير اليونانية التى يُقال إنها أسست للدراما المعروفة لنا الآن.
إيزيس الأسطورة قصة قادمة من عصور سحيقة من التاريخ، لكن إيزيس الحقيقية موجودة في كل شارع وحارة مصرية، فالمصريات يُعلمن أول ما يُعلمن أبناءهن الحب، والإخلاص في هذا الحب، والوفاء تجاه شريك الحياه، وبالتالي فإيزيس ليست أسطورة مصرية، ولكنها حدوتة مصرية حية، تُبرهن بنات مصر على حقيقتها.
أسطورة إيزيس وأوزوريس، ألهمت المصريين الكثير، كالانتصار على الشر، والصبر والإرادة القوية، والعدالة الكونية، ولكن قبل كل ذلك علمت العالم بوجه عام، والمصري بوجه خاص، أن الحب والإخلاص لا ينتهيان، حتى مع الموت، كذلك كانت الأسطورة العظيمة على تماس واضح بالهوى الشعبي الديني في مصر قديما، فالقصة لها أهمية في الديانات المصرية القديمة، وهو ما انعكس على مدى انتشارها الواسع بين الشعب، وذلك، كونها تستند إلى مضمون دينى خطير في صلب العقيدة الدينية المصرية، وهو النعيم الذى يحصل عليه الميت في الآخرة، وبالتالي تعزز الفكرة قيمة "البعث والخلود" القائمة عليها الحضارة المصرية.
المصدر : ثقافة : خالد إبراهيم يكتب: إيزيس وأوزوريس.. أسطورة علمت المصريين كيف يحبون