نافذة على العالم

إقتصاد : بعد كوفيد وروسيا...حرب غزة وسيناريوهات قاتمة للطاقة والتضخم والمستثمرين

السبت 4 نوفمبر 2023 06:44 مساءً

 

نهى مكرم- مباشر- استيقظ العالم صباح يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول على عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة المقاومة الفلسطينية "حماس". لترد إسرائيل بقصف وحشي على قطاع غزة أسفر، حتى وقت كتابة التقرير، عن استشهاد نحو 9061  شهيداً، معظمهم من الأطفال والنساء، و22 ألف جريح فلسطيني، فضلاً عن دمار البنية التحتية بالقطاع جراء القصف الجوي.

"طوفان الأقصى" يكبد إسرائيل خسائر اقتصادية فادحة

أفادت "رويترز" في تقرير لها أن الاقتصاد الإسرائيلي قد يتكبد خسائر غير مسبوقة منذ عقود جراء حربها على غزة. فعلى سبيل المثال، كلف قطاع الإنشاءات وحده الاقتصاد خسائر بقيمة 37 مليون دولار يومياً بسبب إغلاق مواقع الإنشاءات ثم إعادة فتحها بموجب إرشادات سلامة أكثر صرامة خشية أي هجوم غير متوقع من الجانب الفلسطيني، إلى جانب صافرات الإنذار المستمرة.

واستدعت الحكومة الإسرائيلية أكثر من 300 ألف جندي احتياطي، مما أدى إلى نقص العمالة المتاحة. كما صرح المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، بمقتل 338 عسكريا بين جندي وضابط منذ بداية الحرب على غزة. ومن المرجح أيضًا أن يتضرر الاستثمار والسياحة في البلاد بسبب الصراع.

علاوة على ذلك، حذرت وكالات موديز" و"فيتش" و"ستاندردر أند بورز" مؤخراً من خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل مع وضعه تحت المراجعة السلبية، لتواجه البلاد بذلك احتمالات ما قد يكون أول خفض لتصنيفها الائتماني على الإطلاق.

وخفض البنك المركزي الإسرائيلي تقديراته للنمو الاقتصادي لعام 2023 إلى 2.3% من 3% وإلى 2.8% من 3.0% لعام 2024. وقال أحد المحللين إنه لن يتفاجأ إذا انكمش الاقتصاد بالربع الثالث من العام الجاري بنسبة 15%.

وفي بداية الحرب، أمرت إسرائيل شركة شيفرون بوقف الإنتاج في حقل تمار للغاز الطبيعي لتقليل تعرض البلاد للصواريخ. ما كبد إسرائيل خسائر في الإيرادات بقيمة 200 مليون دولار شهريًا.

وتتزايد المخاوف يوماً بعد يوم من أن يؤدي  تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة إلى صراع إقليمي يلقي بظلاله على آفاق الاقتصاد العالمي، ويهدد بإضعاف النمو وتأجيج ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء مجدداً.

البنك الدولي وسيناريوهات اضطراب سوق النفط

وضع البنك الدولي في أحدث تقرير له ثلاثة سيناريوهات لاضطرابات سوق النفط حال تفاقم الصراع في الشرق الأوسط الذي يمتلك 48% من الاحتياطيات العالمية المؤكدة للطاقة، وأنتجت 33% من النفط العالمي في عام 2022، بحسب المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية لعام 2023. علاوة على ذلك، يمر خُمس إمدادات النفط العالمية عبر مضيق هرمز، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

وقال البنك إن سيناريو "الاضطرابات الطفيفة" يضاهي انخفاض إنتاج النفط خلال الحرب الأهلية في ليبيا خلال 2011 بما يتراوح حوالي بين 500,000 ومليوني برميل يومياً، ما قد يدفع أسعار النفط إلى نطاق يتراوح بين 93 دولار و102 دولار للبرميل خلال الربع الرابع.

بينما تعادل "الاضطرابات المتوسطة"، بحسب البنك الدولي، ما حدث في حرب العراق عام 2003، حيث تنخفض إمدادات النفط العالمية بنحو 3 ملايين برميل إلى 5 ملايين برميل يومياً، ما قد يدفع الأسعار إلى نطاق يتراوح بين 109 دولار و121 دولار للبرميل.

أما سيناريو "الاضطرابات الشديدة"، فهو يعادل تأثير حظر النفط العربي عام 1973، حيث تنكمش إمدادات النفط العالمية بين 6 إلى 8 ملايين برميل. ما قد يدفع الأسعار في أول الأمر لما بين 140 دولار و157 دولار للبرميل، أي قفزة بنحو 75%.

وقال أيهان كوسي، نائب كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي، إنه إذا بات ارتفاع أسعار النفط مستداماً، فسيعني ذلك حتماً ارتفاع أسعار الغذاء.

وأضاف أنه إذا حدثت أزمة حادة في أسعار النفط، فستدفع تضخم أسعار الغذاء، المرتفع بالفعل في العديد من الدول النامية، للصعود.

وحذر البنك الدولي من أنه في حالة تصعيد الصراع بالشرق الأوسط، سيواجه الاقتصاد العالمي أزمة طاقة مزدوجة لأول مرة في عقود- ليس فقط من حرب روسيا في أوكرانيا بل من توترات الشرق الأوسط أيضاً.

وقال مارتن وولف، في مقال رأي بصحيفة "فاينانشيال تايمز"، إن تأثيرات حرب إسرائيل وحماس على أسعار النفط متواضعة حتى الآن. ومن حيث القيمة الحقيقية، كانت أسعار النفط في سبتمبر/أيلول قريبة من متوسطها منذ عام 1970. وبالإضافة إلى ذلك، أوضح وولف أن النفط أصبح أقل أهمية وأسواق النفط باتت أقل عرضة للخطر منذ السبعينيات، إذ انخفض إنتاج النفط العالمي بما يقرب من 60% منذ ذلك الحين، كما تنوعت مصادر إمدادات الطاقة، وأصبحت الاحتياطيات الاستراتيجية أكبر. كما أدى إنشاء وكالة الطاقة الدولية إلى تحسين التنسيق.

سيناريوهات بلومبرج وتأثيرات متفاونة على الطاقة والتضخم والنمو

وضعت "بلومبرج" ثلاثة سيناريوهات محتملة لحرب غزة يختلف تأثيرها على أسعار الطاقة والتضخم العالمي ونشاط المستثمرين.

ينطوي السيناريو الأول، وهو الأكثر تفاؤلاً، على بقاء الصراع منحصراً في قطاع غزة، ما قد يؤدي لارتفاع أسعار النفط بمقدار 4 دولارات للبرميل، وعدم حدوث تغيير بمؤشر الخوف، وزيادة التضخم العالمي بنسبة 0.1% وتراجع النمو العالمي بالنسبة ذاتها.

بينما ينص السيناريو الثاني على حرب غير مباشرة بين إسرائيل وإيران، والتي ستنطوي على حرب واسعة النطاق على جبهات متعددة داخل حدود إسرائيل ــ غزة، والضفة الغربية، وسوريا، ولبنان ــ فضلاً عن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ما قد يؤثر أيضاً على دول عربية أخرى مثل مصر وتونس، بحيث تقفز أسعار النفط في إطار هذا السيناريو بمقدار 8 دولارات للبرميل، وارتفاع مؤشر الخوف بمقدار 8 نقاط مئوية، فيما قد يرتفع التضخم بواقع 0.2% ويتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3%.

أما السيناريو الثالث وهو الأكثر تشاؤماً، فهو اندلاع حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران، حيث أكدت "بلومبرج" على أنه السيناريو الأقل احتمالاً والأكثر خطورة في الوقت ذاته. ويهدد مثل هذا السيناريو بزعزعة استقرار أسعار الطاقة العالمية والتي قد تقفز بمقدار 64 دولار وتصل إلى 150 دولار للبرميل، بالإضافة إلى ارتفاع مؤشر الخوف بواقع 16 نقطة، والتضخم بنسبة 1.2%، وتراجع الناتج الإجمالي العالمي بنسبة 1%.

تداعيات الحرب تطال أسعار الغاز الطبيعي

وسلط جيل بافمان، كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك "ليومي"، الضوء على التداعيات الهائلة للحرب على أسعار الغاز الطبيعي. ففي الولايات المتحدة، تجاوزت الأسعار 3.4 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.

وفي أوروبا، كانت هناك زيادة أكثر حدة عندما ارتفعت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي من أقل من 30 إلى 54 يورو لكل ميجاوات/ساعة منذ يوليو الماضي. ويرى بوفمان أن الزيادة السريعة في الأسعار تعكس صدمات في جانب الإمداد.

وأضاف المحلل أنه إذا طالت التوترات الجيوسياسية دول الخليج، مثل قطر، التي تعد أحد المصدرين الرئيسيين للغاز الطبيعي، سيكون لها تداعيات أكبر على أسعار الغاز الطبيعي.

وختاماً، فالحرب بين إسرائيل وحماس بعيدة كل البعد عن نهايتها، ولا أحد يعرف كيف ستتطور أو إلى متى ستستمر. وتتركز أنظار العالم الآن على تلك الأزمة المتصاعدة في المنطقة، ليس فقط بسبب العدد الهائل من الضحايا، ولكن أيضاً لأن هذه الحرب ستلحق خسائر اقتصادية فادحة بالعالم بأسره.

وبحسب أيهان كوسي، نائب كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي: "طالما تعد أسواق الطاقة مصدر قلق، فإن أي شيء سيحدث في الشرق الأوسط، لن يقتصر على الشرق الأوسط وحده بل سيكون له تداعيات عالمية".

 

 

المصدر : إقتصاد : بعد كوفيد وروسيا...حرب غزة وسيناريوهات قاتمة للطاقة والتضخم والمستثمرين

أخبار متعلقة :