الأحد 7 يوليو 2024 11:14 مساءً
07 يوليو 2024, 8:53 مساءً
هل وجدتَ نفسك يومًا وقد صارت أقصى أمانيك أن ينتهي اليوم لتخلد للنوم من شدة التعب، ثم تستيقظ بلا شعور بالتجدد والنشاط؟ هل تشعر دائمًا بالإرهاق المتتابع دون مبرر أو سبب منطقي لكل ذلك الإجهاد؟ هل تشعر بأنك في دوامة من المسؤوليات الوالدية، تسحبك مرارًا وتكرارًا بلا توقف ولا رحمة؟ ضغوط متواصلة بلا أي حضور ذهني، وكأنك تحولت لآلة تعمل بلا إدراك ولا مشاعر!
حوار عادي مع طفلك يتحول لصراع شاق، ينتهي بتصعيد من الطرفين. أما وقت النوم فيتحول لصراع مَن الأقوى بينك وبين أطفالك.
يوميات روتينية بسيطة، تصبح أعباء تخشى مواجهتها والتعامل معها، وتغيب المتعة، وربما تطفو التساؤلات في ذهنك المتقد "أنا ليش جبتهم أصلاً؟!"، "كيف بكمل المشوار؟!".
تلك أعراض بسيطة لما يُعرف بالاحتراق الوالدي، عندما تتعطل طاقتك وقدرتك على التعامل مع المتطلبات اليومية بشكل متزايد، يفوق قدرتك على الاحتمال، وتغيب المتعة عن المشهد، وتتصدر مشاعر التيه.
ليس بالضرورة أن تكون المشكلة في وعيك ولا مهاراتك التربوية، وإنما هي في خزَّانك الذي نفد منه الوقود؛ فلم يعد بإمكانه العطاء أكثر.
المشكلة أن غياب هذا المصطلح يجعل الأهل يعتقدون أن المشكلة إما في طفلهم صعب المراس، العنيد والصعب، أو أنها نتيجة قلة وعيهم بالمهارات التربوية؛ ما يدفعهم لتعلُّم المزيد منها استماعًا أو قراءة أو حتى استشارة لمختص تربوي.. ولكن ما يحدث أن هو أن حدة الصراع بين المربي والطفل تتصاعد أكثر فأكثر حتى يشعر بأنه وصل إلى طريق مسدود.
إدراك الوالدين فكرة الاحتراق الوالدي، ومعالجتها، يساعدان كثيرًا في الحد من المشكلة، بل قد يُنهيانها تمامًا إذا ما أُخذت بعين الاعتبار، وتمت معالجة أسبابها، ومحاولة إيجاد حلول عملية لها.
كل ما في الأمر أن إنقاذ نفسك هو أمر حتمي لإنقاذ مَن حولك، تمامًا كما تملي علينا تعليمات الطائرة، وأن تبدأ بنفسك، يعني أن تتوازن في عطائك الوالدي دون إفراط بدافع الخوف والحب والاهتمام؛ لأنك بشر بقدرات محدودة، ولست شخصًا خارقًا بخزان لا يفرغ!
مجرد استيعابك بعمق لهذه النقطة سيجعلك تبحث عن أسباب تسرُّب الوقود منك بشكل سريع، هل هي المبالغة بالحرص أو المثالية فيما أتوقعه من أطفالي؟ أم إنها حرماني لنفسي من مقومات الصمود اليومية، وهجر العادات البسيطة التي كان لها مفعول في إضافة البهجة ليومك؟ حتى تلاشت تدريجيًّا دون وعي نتيجة انشغالك المضني مع أبنائك، وإذا بك تستفيق بعلاقات مهجورة، وهوايات مندثرة، ويوميات تخلو من المتعة!
هكذا تسحبك الوالدية دون أن تشعر، شيئًا فشيئًا حتى تصبح نسخة لا تشبهك.. تُعامِل أطفالك بأكثر الطرق التي كنت تستهجنها، وما زلت تكرهها في نفسك، ولكنك مضطر لها؛ لأنه ليس بيدك حيلة، ولا يمكنك ترك الجمل وما حمل والفرار هاربًا.. إلا أن ذلك قد يحصل عندما يقرر عقلك في مرحلة ما أن ينطفئ ويهرب؛ لعدم قدرته على إدارة كل تلك الضغوط اليومية؛ فيقرر الدخول في حالة السكون والاكتئاب!
قبل أن تصل إلى هناك حافظ على توازنك، اطلب المساعدة، وتغافل وتخلى عن الكمالية في معاييرك.. أعد النظرة في الأولويات ورتبها؛ لتحقق ما يسمح به وقتك وطاقتك به. أعد البحث عن شخصك الذي ضاع بين الركام؛ فشخصية متعبة ومرهقة لن تكون قدوة حسنة لأطفالها، ولن تتمكن من الاستمتاع بهم، بل ستتحول إلى نموذج ملتهب، يكتسب منه أطفاله العنف والتشنج والعصبية، وتتحول والديَّتُك إلى شبح مرعب، ينتظرون اللحظة التي يفرون منها عندما يكبرون، وعندها تكون الخسارة أكبر!
أسباب الاحتراق الوالدي تتنوع بين أسباب فسيولوجية، تتعلق بأبسط مقومات الحياة، كجودة النوم والطعام، وتتعلق بأسباب شخصية، مثل المثالية والشخصية القلقة، وأسباب روحية، تتعلق براحة الإنسان وتعلقه بالله ونظرته للحياة. كل تلك الأسباب تحتاج لنظرة من أجل تقويم الوضع، وتحسين نمط الحياة.. ومن ثم يصبح المسار في التربية منطقيًّا وسلسًا؛ لأنك أعدت شحن نفسك، وهنا تتجلى معلوماتك التربوية التي سقط عليها ركام المسؤوليات، فلم تعد تراها أو حتى تتذكرها.
إن راحتك النفسية تجعلك مؤهلاً أكثر لتفعيل مهاراتك التربوية، وتذكُّر النصائح، وابتكار الأساليب.. ولكنك عندما تكون محترقًا كل ما ستتمكن من فعله هو الصراخ، والمزيد من الصراخ، وربما مع القليل من الضرب هذه المرة لتطفئ المشكلة، وليته يجدي، ولكنه -للأسف- لا يزيد النار إلا اشتعالاً؛ فالسيارة بلا وقود لن تأخذك لأي مكان.
المصدر : نافذة - الاحتراق الوالدي..!
أخبار متعلقة :