نافذة على العالم

أخبار العالم : عن الكبسة والطعمية والشاعر السعودي محمد عابس

الثلاثاء 14 فبراير 2023 11:00 صباحاً

وكأنها ماكينة جهنمية تلك التي قدمت بعض الأصوات الشاذة من الجانبين المصري والسعودي عندما بدأوا في التلاسن وإثارة النعرات الجهوية وإطلاق الرسائل في غير موضعها، وكأن أزمات الدنيا قد انتهت حتى يطلع علينا نفر من الناس لصناعة أزمة وهمية وبطولات خاسرة ينعكس أثرها سلبا على أجواء العلاقة بين البلدين، فيصطاد من بقلبه مرض في الماء العكر.

لا يمكن لعاقل أن تسرق ماكينة السوشيال ميديا عقله ويتخيل حقائق وهمية حول عناوين لم تعد صالحة للاستهلاك في زمن متسارع ومصالح متشابكة وجذور مترابطة، وفتح الكلام عن وهم الزعامة الذي حاول البعض ترويجه من الجانبين. إن مثل ذلك السلوك لا ينظر إلى المستقبل أبدا ولكنه يلوي الرقاب إلى الخلف ليتكلم عن الماضي وهنا يكمن الفخ الذي يبتلع أي منطق ويهدم اللحظة الراهنة لنحصد التخلف والخسارة.

الصورة النمطية التي يحاول البعض إغراقنا فيها عن صراع الكبسة والطعمية هي صورة نقبلها من باب الكوميديا وخفة الدم لا أكثر ولا أقل. 

في بداية التسعينات عشت إحدى عشر شهرا في الرياض كمحرر صحفي في دار الأرض للنشر والخدمات الإعلامية بحي العليا، أسابيع معدودة بعد الوصول وانكسرت قيود الغربة، لم يكن ذلك الكسر سهلا ولكن عندما جاء أول أيام عيد الأضحى، جاء إلى بيتي الشاعر الشاب في حينها محمد عابس أنا المصري المغترب القادم من القاهرة وهو السعودي المغترب القادم من بلد بعيدة عن الرياض، نقضي أول أيام العيد بعيدا عن عائلاتنا، وتصبح الصورة شجن واحد وأرواح هائمة.

وقتها كان عابس قد أصدر ديوانه الأول "الجمر ومفارش الروح" وكان ديواني الأول "عصافير في الفراغ" مخطوطاً، وبالشعر تنكسر الحدود وتموت الغربة. ثلاثون عاما مضت راح كل واحد منا في طريق حتى جاء معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي انقضى منذ أيام وها هو صديقي القديم على منصة الشعر ضيفاً كريماً، في هذا التوقيت المصادفة والذي أراه غريباً ومدهشاً كان التلاسن بالتغريدات والتراشق بالفيديوهات على أشدهما من الجانبين، ألمحت للشاعر محمد عابس من بعيد عن محبتنا له وجاء رده شلال من الود العميق.

إذن الوعي هو الذي يحدد الصورة العامة لعلاقات الشعوب والفن هو الذي يحدد اتجاه أرواحهم، القادم من الأيام لابد وأن يكون مختلفا، كبيرا بحجم المسؤولية وعميقا بحجم المصائر المشتركة وثابتا بحكم التاريخ والجغرافيا.

التمترس خلف الشعار يحجب الرؤية والأحكام المطلقة مفسدة مطلقة، عندما سألوا الفيلسوف الهولندي التنويري المتمرد باروخ سبينوزا عن متى يخون المثقف فكرته؟  أجاب بوضوح: يخون المثقف فكرته عندما يقدسها. أسوق هذه المقولة إذا اعتبرت رماة السهام من الجانبين في خندق المثقفين وظني أنهم ليسوا كذلك.

الذين أثاروا الغبار في الأجواء يتجاهلون دائما أنهم بمثل تلك التصرفات يزيدون الحمل على عاتق مؤسسات الدبلوماسية الرسمية وهي مثقلة ب الأحمال ولا تنتظر المزيد لذلك يصبح من الواجب بل ومن المهام الوطنية إحياء ما يسميه البعض بالدبلوماسية الشعبية وها هو الشاعر محمد عابس من هناك يهدينا قصائده في معرض القاهرة الدولي للكتاب وها نحن نرد له التحية والاعتذار عن ما فعله السفهاء منا.

هي صفحة تقبل الطي السريع وهو مستقبل يحتاج البناء والتواصل والفعل التراكمي.. يحتاج أن تمتد يد مسؤول كبير إلى الأدراج ويخرج إلى الشعبين المصري والسعودي معلنا عن البدأ في تنفيذ الجسر البري المعلق بين البلدين لنختصر الكلام والمسافات، وقتها قد نرى ابتكار جديد يمزج الكبسة بالطعمية وننتهي من ذلك التلاسن الكوميدي.

المصدر : أخبار العالم : عن الكبسة والطعمية والشاعر السعودي محمد عابس