الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 05:20 مساءً
نافذة على العالم - لا تزال معركة حطين -السبت 25 ربيع الآخر 583 هـ - 4 يوليو 1187 م-التى انتصر فيها صلاح الدين الأيوبى على الصليبيين، واحدة من أهم المعارك الفاصلة والحاسمة عبر التاريخ، خاصة فى تأثيراتها العسكرية والاستراتيجية والسياسية، ومنها تحرير القدس ومعظم الأراضى التى احتلها من رفعوا الصليب كذبا وبهتانا ليستعمروا الآخرين، وهى عادة متأصلة فى الأوربيين، الذين ما زالوا يطورون فى طرق الاستعمار، حتى تعدوا فكرة الاستعمار بالوكالة، والاستعمار من الداخل.
وأظن أن تأثيرات معركة حطين، باقية حتى اليوم، خاصة فى درسها الأكبر وهو أن هذه المنطقة من العالم، التى تسمت حديثا بالشرق الأوسط، قادرة على لفظ أى جسم دخيل عليها، مهما طال بقاؤه الغريب بها ولو لعشرات أو مئات السنين، وعلى سبيل المثال، فقد طرد المماليك الصليبين نهائيا من الشام بعد بقاؤهم لأكثر من قرنين ما بين 1096 و1291م.
وهكذا فإن كانت الدولة الأيوبية، قد انتصرت فى "معركة" أو "معارك" ضد الصليبيين، فإن دولة المماليك قد انتصرت فى الحرب، حيث واصل الظاهر بيبرس ومن بعده قلاوون وأبناؤه المعارك ضدهم، حتى جاء الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون/ 1290- 1293م)، وقضى عليهم نهائيا بتحريره آخر معاقلهم فى عكا فى مايو 1291م.- وانظروا لدلالة شهر مايو-ثم انظروا إلى دلالة قبرص، فبعد هذا الطرد الذى تحقق على يد الأشرف خليل، زاد عليه الأشرف برسباى بغزو قبرص فى صيف 1426م، لتأمين المنطقة نهائيا من هجمات الصليبيين الذين تحولوا لقراصنة يهاجمون الموانئ الإسلامية و السفن التجارية الخارجة منها أو العائدة إليها.
هكذا بوضوح كامل يسجل التاريخ أن المماليك هم الذين انتصروا فى الحرب الصليبية، وهم الذين غزوا أوروبا، لتأمين هذه المنطقة، ومن أجل هذا نفهم لماذا يلصق المؤرخون الفرنجة واتباعهم من المؤرخين كل قبيح وكل شر بالمماليك، فى محاولة للثأر تاريخيا مممن قضوا على واحدة من أكبر المظاهر الاستعمارية الأوربيية، بل يصل الأمر بالبعض منهم، بالتقليل من انجاز تاريخى لا يقل أهمية، وهو أن المماليك قضوا أيضا على الخطر المغولى الذى كان سيمتد إلى أوربا ويدمرها تدميرا.
ويبدو أن حكام المماليك، كحكام غرباء على بلاد غريبون عنها فى أصولهم، فطنوا لذلك، فازدهرت فى عهدهم فكرة التأريخ لحكمهم، فظهر فى عهدهم مؤرخون عظام مثل المقريزى وابن تغرى بردى وابن العميد وابن إياس وغيرهم من الذين اعتنى بهم المماليك وشجعوا كتاباتهم، لعلمهم انها ستحفظ لهم تاريخهم بعد رحيلهم.
لكن المماليك لم يكتفوا بالتأريخ، فأقاموا الشواهد العظمى مثل الخانقات والمستشفيات والمدارس وبالطبع المساجد، وكلها تشهد على نهضة ما، معرفية وعلمية وثقافية شاعت فى عصرهم، كما تشهد على الحكام بأسمائهم، لدرجة أن المساجد العامرة حتى اللحظة، خلدت من لا ذكر أو أهمية لهم فى التاريخ، فمسجد السلطان حسن هو أعظم أثر إسلامى على الأرض، حتى يقال إنه الهرم الرابع، ومع ذلك لا أهمية تاريخية تذكر للسلطان نفسه.
قلت ما سبق، مع ملاحظة أنه رغم ذلك فإن عصر المماليك بمآسيه ومساخره خاصة فى الصراع على الحكم، أورث شعوب المنطقة فقرا بعد فقر، كما كان مقدمة لأبشع احتلال عرفته المنطقة وهو الاحتلال العثمانى.
وقلت ما سبق، كمقدمة لأذكر بملحوظة قد تبدو مفاجأة رغم أنها أمام أعيننا طيلة القراءة فى التاريخ، وهى أن معظم قادة المماليك كانوا من منطقة القوقاز، فكما كان منهم أتراك، كان منهم شركس وأبخاز وكرج ومغول وتتر وصقالبة، والصقالبة هم أكثر من نشروا الإسلام فى آسيا، وقد ذكرت فى الحلقة السابقة، أن ألمش بن يلطوار، كان أول الحكام الصقالبة المسلمون لمملكة الصقالبة التي تعرف بالمراجع الحديثة باسم دولة فولغا بلغاريا ومؤسس مدينة الأبوغا في تتارستان في روسيا الآن.
وقلت كل ما سبق، لأتحدث عن مسجد المرأة البيضاء، أو مسجد فاطمة الشقراء، وهو المسجد البديع القائم حتى الآن فى شارع تحت الربع.وقد شُيد عام 873 هـ/ 1468م فى فترة حكم السلطان المملوكي (قايتباي)، حيث أسسه شخص يُدعى (رشيد الدين البهائي)، وتم تجديده على يد (فاطمة شقراء) التي سُمي المسجد باسمها.
أما عن فاطمة الشقراء نفسها فهناك دراسة تاريخية تؤكد، أنها كانت إحدى الجاريات الروسيات المُعتقات، وهي شركسية أو تترية الأصل، تم أسرها فى إحدى الحروب، واتخذها السلطان قايتباى زوجة له، فأنجبت له ولى العهد السلطان محمد فأصبحت الزوجة الرسمية ووالدة ولى العهد.
وربما كانت فاطمة الشقراء أول امرأة حذت حذو الرجال في تخليد اسمها، أنشأت ورعت العديد من المساجد والمدارس والأسبلة العامة، حيث كانتتخشى أن يضيع أثرها واسمها بعد وفاتها.
وكان حدسها صحيحا، فهي حتى الآن ما تزال تذكر في التاريخ، ولا يزال المصريون يرددون اسمها، لسبب واحد، وهو مسجدها مسجد فاطمة الشقراء، مع ملاحظة أنها ربما كانت أول سيدة من خارج البيت النبوى، يطلق اسمها على مسجد، تلك السيدة التى كانت من مسلمى روسيا.
[email protected]
اقرأ أيضاً
وأهل مكة كانوا يحتفلونركن الغباء في التاريخ
المصدر : الروسية التي أصبحت سلطانة مصر